الاثنين، 30 يناير 2012

الغرافيتي بتركيا.. لا للتخريب والسياسة



وسيمة بن صالح-إسطنبول

كان الشاب اليوناني ديميتريوس، يتسلى بترك توقيعه (TAKİ 183) على جدران شوارع نيويورك التي كان يجوبها على أقدامه خلال عمله كساعي بريد. وكلمة TAKİ هي تصغير للعديد من الأسماء اليونانية بينما يشير 183 إلى رقم الجادة التي كان يسكن فيها بمنهاتن الشمالية.

ولم يكن ديميتريوس يعرف أنه بتوقيعه هذا أعطى انطلاقة لفن (الغرافيتي)، ففي صيف 1971 خصصت جريدة نيويورك تايمز صفحتها الأولى لمن أسمته "فتى الأقلام" الذي لطالما تساءل النيويوركيون عن هويته، ليصبح ملهم العديد من الأطفال والشباب لاتباع أسلوبه للتواصل والتعبير عن مشاعرهم.

الغرافيتي التركي
"الغرافيتي هو فن الكتابة والرسم على الجدران"، يستهل رسام الغرافيتي محمد أمين تركمان كلامه، مشيرا إلى أن هذا الفن ظهر في تركيا عام 1995، كعمل غير شرعي في نظر السلطة بسبب ذاكرة تعود إلى فترة ما قبل انقلاب سبتمبر/أيلول عام 1980، حينما كانت الجدران تعج بالشعارات السياسية.

ولذلك وحسب تركمان فإن من كان يقبض عليه يتعرض للاستجواب لمعرفة ما إذا كانت له صلة بتنظيمات سياسية أو إرهابية، وكانت أحكام السجن تراوح بين ستة أشهر وسنة واحدة، أو غرامات مالية تبدأ من ألف ليرة تركية وتصل حتى خمسة آلاف ليرة.

ومع أن هذه العقوبات ما زالت جارية حتى اليوم فإن التفاهم مع رجال الشرطة أصبح أسهل، "خاصة أنهم جيل شاب استوعب أن هذا الفن ليست له علاقة بالسياسة"، كما يقول تركمان.

وكانت بلدية منطقة غونغيران في مدينة إسطنبول، أول من سمح لممارسي فن الغرافيتي بالرسم علنا، عبر منحهم مصنعا مهجورا بجدرانه الثلاثة، ليجعلوا منه لوحة فنية، وبذلك أصبح أطول جدار غرافيتي في تركيا (يبلغ طوله تقريبا أربعمائة متر).

كما قامت هذه البلدية برعاية مهرجان للغرافيتي عام 2006، لتقوم بعدها بلدية إسطنبول الكبرى ممثلة بمجلس الشباب التابع لها، بتنظيم مهرجان أكبر عام 2008، شارك فيه رسامو غرافيتي أجانب، وكان موضوع اللوحات "إسطنبول عاصمة أوروبا الثقافية لعام 201".
  
فلسطين بأعين الغرافيتيين
رغم أن الغرافيتي في تركيا بعيد عن السياسة فإن أحداث الحرب الإسرائيلية على غزة دفعت بمجموعة من رساميه إلى توظيفه من أجل التنديد بما حصل.

ويشرح محمد أمين الذي كان واحدا من هؤلاء قائلا "رسمنا لوحاتنا أمام الملأ في ميدان تقسيم في يناير/كانون الثاني عام 2009، لنجذب خاصة، اهتمام الفئة الشابة التركية لما يعانيه إخواننا في فلسطين، ودعمنا مجلس الشباب التابع لبلدية إسطنبول الكبرى لتنظيم هذه الحركة".


ويرفض أمين وصف العديدين لفن الغرافيتي بأنه عمل مخربين، مشيرا إلى أن الشباب التركي الذين يمارسون هذا الفن يجمعون على أنه إبراز للمبدع الكامن داخلهم، وهم متشبعون بقيم الدين التي تنهى عن إيذاء الغير، ونحن نضع هذا نصب أعيننا قبل القيام بأي عمل من شأنه أن يجرد هذا الفن من روحه وجماليته ويلحق الضرر بأي ملكية خاصة بالمجتمع.

ماراثون إسطنبول صلة الشرق بالغرب


وسيمة بن صالح-إسطنبول

تختفي السيارات من على جسر البوسفور، الذي يصل الجزء الآسيوي من مدينة إسطنبول بالجزء الأوروبي، كل أول أو ثاني يوم أحد من شهر أكتوبر/تشرين الأول منذ عام 1979، لتتدفق حشود رياضية غفيرة، للاستمتاع بشعور العدو بين قارتين، على ارتفاع 165 مترا من سطح البحر.

إنه ماراثون "أوراسيا" التظاهرة الرياضية الفريدة من نوعها في العالم التي تجمع بين الرياضة والمتعة مما يزيد الإقبال عليها كل عام.

فخلال دورة هذه السنة الـ32 شارك ما يقارب مائة ألف عداء محترف وهاو من مختلف الأعمار والأعراق تحت إشراف وتنظيم بلدية إسطنبول الكبرى.

وكان ماراثون أوراسيا قد انطلق على يد مجموعة من السياح الألمانيين، اعتادوا القيام بمسابقة ماراثون في كل دولة تزورها حيث كانت مدينة إسطنبول عام 1979، محطتها التي عرفت ولادة هذا الماراثون.

وينقسم الماراثون إلى ثلاث فئات رئيسية، ففي الأولى تصل المسافة إلى 15 كيلومترا، وفي الفئة الثانية، تكون المسافة أقصر من ذلك وتبلغ فقط ثمانية كيلومترات، وفي هاتين الفئتين يتم تسجيل التوقيت عبر رقاقات إلكترونية يوزعها المنظمون على العدائين، كما تسجل الرتب أيضا.

أما في الفئة الثالثة، فتبلغ المسافة أيضا ثمانية الكيلومترات الأخرى لكن دون أن يسجل فيها التوقيت ولا الرتب، كما أنها مفتوحة في وجه كل هواة الركض من مختلف الأعمار.

كما تخصص مسابقات يشارك فيها ذوو الاحتياجات الخاصة أيضا.


توقف المرور
وواجهت منظمي الماراثون في البداية عدة مشاكل أبرزها كيفية تنظيم حركة المرور.

ومن المعروف أن الجسر المعلق هو أهم نقطة لمرور السيارات بين جزئي المدينة. فكان الحل، إغلاقه أمام حركة المرور، من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة الثانية والنصف ظهرا، في كل مرة تقام فيها المسابقة.

ويتم إخبار المواطنين بكل الطرقات التي سيتم إغلاقها، وهي طرقات تؤدي إلى ساحة سلطان أحمد التي تعتبر نقطة الوصول.

ويضطر المتسابقون الذين لم يستطيعوا إنهاء السباق في الوقت المحدد، العدو فوق الأرصفة، ويحصلون على ميداليات تذكارية عند وصولهم إلى خط النهاية.


أحزان ومسرات
وشهد الماراثون وقوع عدة أحداث ما زالت في ذاكرة من عايشوا عن قرب الدورات السابقة لهذه التظاهرة، وترواحت هذه الأحداث بين الحزينة أحيانا والمفرحة أحيانا أخرى.

ويحكي أحد المنظمين للماراثون، ويدعى أوزان، أنه خلال تاريخ هذه المسابقة "سجلت أحداث حزينة مثل انتحار أحد المشاركين في إحدى الدورات، مستغلا انشغال عناصر الشرطة، ليلقي بنفسه من على الجسر".

وأضاف "أحد العدائين الكينيين الذين سبق وحصل على المرتبة الثانية في إحدى الدورات، وقع مغمى عليه على بعد أمتار قليلة من نقطة النهاية بعد أن أجهد نفسه كثيرا لأنه كان يريد الحصول على الجائزة المالية نظرا لمرور عائلته بضائقة مالية في تلك الفترة".

لكن بالمقابل فالسباق عرف أيضا أحداثا سعيدة، ويروي أوزان أن "أوراسيا" كان السبب في العديد من الزيجات، كما أن بعض الأشخاص يفضلون عقد قرانهم بالتزامن مع هذا الحدث، ويشاركون ببذلات الزفاف.

تركيا ترخص تعليم القرآن للأطفال


  وسيمة بن صالح - إسطنبول
سعت الحكومات العلمانية التي تعاقبت على الحكم في تركيا منذ انقلاب 28 فبراير/شباط 1997إلى فرض قوانين تحد من حريات المواطنين الدينية.

لكن منذ تسلم حزب العدالة والتنمية سدة الحكم بدأت تلك العراقيل القانونية في الانهيار شيئا فشيئا، فبعد السماح للمحجبات بالدخول إلى المدارس والجامعات، نال أطفال تركيا اليوم الحرية في تعلم القرآن الكريم، على إثر القرار الوزاري الذي أصدرته الحكومة التركية مؤخرا.

ويقضي القرار بالسماح للأهل بإرسال أطفالهم بشكل رسمي إلى دروس تعليم القرآن الكريم دون التقيد بأي سن أو مرحلة عمرية.
  
منع
ويسترجع رئيس جمعية خريجي كلية الشريعة في تركيا صلاح الدين يازجي حقبة حكم العلمانيين، ويروي كيف حرم قرار مجلس الأمن القومي التركي العديد من الأسر التركية من تحفيظ أطفالهم القرآن الكريم.

فقد مُنع رسميا كل طفل تحت سن 15 من تعلم القرآن الكريم حتى إن "مدارس الإمام الخطيب الدينية الحكومية'' أغلقت مراحلها الابتدائية والإعدادية.

وبحسب يازجي فإن المنع والعقوبات التي كانت تصل في سنوات خلت إلى الإعدام، إضافة إلى السجن والتعذيب في مراكز الشرطة، لم يحل دون إرسال الأهالي أطفالهم في السر لتعلم القرآن وهم في سن مبكرة ومناسبة لكي يصبحوا حفظة للقرآن.


ويعتبر رئيس جمعية خريجي كلية الشريعة القرار الجديد تجسيدا لإرادة المجتمع التركي "المتدين"، والذي لم يعد يقبل القوانين المتعسفة التي اتخذتها الحكومات العلمانية ضد الإسلام منذ تأسيس الجمهورية التركية.
رواسب العلمانية
أما ابنته رابية يازجي البالغة من العمر 19 عاما، فرغم إقرارها بأهمية القانون الجديد، فإنها تقول إنه لن يغير نمط عيش الكثيرين، مشيرة إلى أن "مبادئ العلمانية غرست داخل قلوب العديد من الأطفال، فأصبحوا يرون أن كل ما له علاقة بالدين هو ضد الدولة".

وتتذكر كيف عاشت أزمة نفسية وهي طفلة عندما لم يكن عقلها الصغير يستوعب التناقض بين ما تسمعه في المنزل عن كون القرآن الكريم معجزة، وعما يتداول في الخارج من أن تعليمه هو ذنب يستحق العقاب.

وتحكي ما تعايشه هي وصديقاتها خلال ندوات خاصة بالقرآن الكريم من مشاهد العديد من النساء المسنات يبكين بحرقة عندما يرون هؤلاء الشابات وقد تعلمن قراءة القرآن، في حين أنهن حرمن من ذلك، قائلة "كان تعلم القرآن جريمة في زمانهن، حتى إنهن كن يُطردن من الجوامع ويُضربن".

وتعمل رابية -في فترة الصيف- مدرسة للقرآن للأطفال الأتراك الذين يرسلهم أهلهم من خارج تركيا، خاصة من قبرص، وتعبر عن استيائها لعدم رفع الحظر هناك عن تعليم الأطفال القرآن الكريم إلى حد الآن.

واعتبرت أنه من المشين ألا يمنع القسم اليوناني المسيحي من قبرص تعليم القرآن للأطفال، في حين لا يزال القسم التركي المسلم من قبرص يفعل ذلك.

نفق مرمراي يبعث طريق الحرير تحت البحر



نفق مرمراي حلم راود السلطان عبد المجيد الذي طمح في عام 1860 لإقامة خط حديد في قاع البوسفور يربط آسيا وأوروبا، وهو مشروع تظهره التصاميم القديمة أنبوبا مائيا عائما تسنده ركائز، لم تسمح التقنيات حينها بتحقيقه.
 
لكن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان جاء لينفض الغبار عن هذا المشروع، حيث لم تتوقف الدراسات والجهود حتى تم التوصل إلى صيغة نهائية يمكن تطبيقها على أمل أن يرى النفق النور في 2012.

ووقعت الحكومة التركية اتفاقية قرض مع البنك الياباني للتعاون الدولي في 1999 لتمويل تحديث جزء من الخط الحديدي والجزء المار في قاع البوسفور, وقبل ذلك اتفاقية مع بنك الاستثمار الأوروبي لتمويل تطوير خطوط الحديد الواصلة إلى النفق وشراء المعدات والمواد اللازمة لمشروع كلفته الإجمالية ثلاثة مليارات دولار.
 
  
ويبلغ طول الخط 76.3 كلم منها 19.30 فوق الأرض في الجهة الأوروبية و43.40 فوق الأرض في الجهة الآسيوية  و11.20 عبارة عن نفق يربط ضفتي مدينة إسطنبول علما بأن مسافة 1.40 كلم من النفق تمر تحت مياه البوسفور.

ويقع النفق الذي ترجع تسميته إلى بحر مرمرة، على عمق ستين مترا تحت الماء، بحفر خندق في القاع يمتد بين الضفتين، أنزلت فيه 11 كتلة خرسانة ضخمة، ارتفاع الواحدة 8.75 أمتار وعرضها 15.50 مترا.

وقد تم إنزال وربط آخر كتلة خرسانية في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2008 بحضور أردوغان الذي عبر البوسفور يومها مشيا، ليُسَوّى بعد ذلك سطح القاع ويعاد إلى حالته الأولى حفاظا على حركة مرور الأسماك المهاجرة عبر المضيق فوق خط المشروع.

طريق الحرير

ويختصر الدكتور خلوق إبراهيم أوزمان -وهو مهندس مدني يترأس المديرية الجهوية العامة التابعة لوزارة النقل، التي تشرف على تنفيذ المشروع- أهداف النفق بقوله "سيحل مشكلة حركة السير الخانقة التي تعاني منها إسطنبول، فسعة المشروع 150 ألف راكب كل ساعة مرشحة للازدياد.
 
 
 
ويقول الدكتور أوزمان إن المشروع عندما ينتهي سيدمج داخل خط الحديد المقرر إنشاؤه عبر أذربيجان وجورجيا وتركيا ليصبح إحياء طريق الحرير ممكنا وبالتالي سيصبح السفر ونقل البضائع بين أوروبا وآسيا الوسطى كاملا بسكة الحديد.

وسيخضع المشروع عند اكتماله في 2012 لمرحلة تجريبية لستة أشهر بدون ركاب تختبر خلالها المقطورات والنفق.
يذكر أنه يوجد نفق مشابه في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة لكن عمقه يبلغ 45 مترا فقط.



وسيمة بن صالح