الجمعة، 7 يونيو 2013

قانون الكحول الجديد بتركيا

وسيمة بن صالح - تركيا

أقر البرلمان التركي في 24 من شهر مايو/أيار المنصرم قانونا يشدد القيود على استهلاك الخمور و بيعها و الإعلان عنها، لتنطلق معه جولة جديدة من المواجهات ما بين الحزب الحاكم و التيار العلماني الذي يرى أن مثل هذه القوانين تلطخ صورة الديموقراطية بتركيا و تقوض مبدأ الفصل ما بين الدولة و الدين رغم دستور البلاد العلماني. في حين يؤكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان نيته لحماية الجيل الناشئ بتطبيق نص المادة  58 من الدستور التركي الذي يقر بأنه على '' الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الشباب من إدمان الكحول و المخدرات و الجريمة و القمار و غيرها من الرذائل''. 

يمنع القانون الجديد بيع المشروبات الكحولية إنطلاقا من الساعة العاشرة ليلا إلى غاية الساعة السادسة صباحا، و يحظر إعلاناتها بجميع الأشكال حتى في الأعمال الفنية التلفزيونية. إضافة إلى منع أماكن تقديم هذه المشروبات من الإعتماد على المظاهر التي تشير إلى تقديمها في الداخل، كما أصبحت الشركات المنتجة للكحول ممنوعة من رعاية الأنشطة العامة. و تم خفض نسبة الكحول المسموح بها لإجتياز '' فحص النفخ '' من 1 بروميلين إلى 0.5 بروميلين. و يمنع القانون بيع المشروبات الكحولية داخل محيط أقل 100 متر بعيدا عن المؤسسات التعليمية بكل أنواعها و أماكن العبادة. لكن هذه المسافة لن تكون ملزمة للمحلات في المناطق السياحية.

و يعاقب كل من يبيع المشروبات الكحولية خلال فترة الحظر بغرامات مالية تتوارح ما بين 20 ألف ليرة تركية و 100 ألف ليرة تركية ( ما بين 10,559 دولار أمريكي و 52,795 دولار أمريكي). أما بالنسبة للسائقين الذين تتجاوز نسبة الكحول التي تعاطوها النسبة المحددة فسيكون عليهم دفع 700 ليرة تركية ( ما يعادل  369.57 دولار أمريكي) و تصادر رخصة قيادتهم لمدة 6 أشهر. في حين يغرم السائق الذي يرفض الخضوع لفحص النفخ، بقيمة 2000 ليرة تركية ( ما يعادل 1,055 دولار أمريكي) و تسحب رخصته لمدة عامين. و يعاقب كل  يتسبب بحادث سير تحت تأثير الكحول حسب أحكام قوانين الجمهورية التركية.

 و اعتبر المحامي محرم بالجي الرئيس السابق لجمعية '' الهلال الأخضر '' التركية، استثناء المناطق السياحية من بعض الإلتزامات قصورا في هذا القانون، و سببا لجعل تطبيقه صعبا نسبيا. لكنه و في نفس الوقت أكد أن تشريعات تقييد استهلاك الخمور هي معايير دولية تطبقها دول العالم، و عزا سبب المعارضة العنيفة لمثل هذه التشريعات بتركيا '' كون العلمانية تيار سياسي يعتبر أي قرار من الحكومة التركية ذات التوجه الإسلامي، فرضا للدين في المجتمع'' حسب تعبيره.

و أكد أن القانون الجديد لا يسعى لتقليص الحريات الفردية، بل يهدف لإتخاذ تدابير وقائية في مواجهة ما وصفه بالآفات التي يسببها تعاطي الكحول مثل حوادث السير، جرائم القتل و الإغتصاب و تفكك الأسرة. و أشار إلى أن حماية مستقبل المواطنين هو مسؤولية كل الحكومات، كما أنه '' قانونيا يحق لضحايا حوادث سببها الكحول في دولة لا تنتهج مثل هذه القوانين، مقاضاة حكوماتهم أمام القضاء في الداخل و الخارج'' حسب ما قاله.

و شكلت جمعية  '' الهلال الأخضر التركي '' عام 1920 من قبل مثقفين أتراك '' لمنع انتشار الإدمان على المخدرات و الكحول الذي يؤثر على الشباب و قدرتهم على مقاومة الإحتلال البريطاني الذي كان يوزع هذه المواد على الشباب التركي مجانا لإضعاف عزيمته'' كما جاء في موقع الجمعية.    

و تعارض الشابة التركية سينام ألتونباش العاملة في شركة لشبكات التواصل الإجتماعي هذا القانون، معتبرة أنه يعرقل الحريات الفردية و يعارض مبادئ الديموقراطية. و تقول أن مثل هذا القانون '' لن يتمكن من درع المدمنين، بل هو أحد القوانين الغبية التي تنتهجها حكومة إردوغان للتدخل في أسلوب حياتنا''.

 أما الطالب التركي معروف جانلي أوغلو ذو 19 عاما، فرأى أن هذا القانون يتناسب مع المعايير الدولية، و عبر عن تفهمه لرغبة أردوغان في بناء جيل يافع متيقظ، إلا أنه أفاد بأنه '' لا يمكن تحقيق هذا الهدف باستعمال قوة السلطة الحكومية و أدواتها'' مشيرا إلى ما وصفه بالمحاولة الفاشلة للحكومات العلمانية من قبل لمنع مظاهر الممارسات الإسلامية من قبل.  و يرى أن أفضل أسلوب هو '' الإعتماد على النوادي الإجتماعية و الجمعيات الأهلية لتوعية الشباب بمضار هذه العادات السيئة''، لكنه أكد أن الدور الأهم و الأساسي يعود للأسرة و البيئة الإجتماعية المحيطة.


  يشار إلى أن هذا المشروع لن يطبق صيف هذا العام، لأنه و حسب القوانين التركية، يجب أن يدخل حيز التنفيذ بعد مرور 90 يوما من نشره في الجريدة الرسمية. ومنذ 2002 اتخذت الحكومة التركية سلسلة من الاجراءات الرامية الى الحد من استهلاك المشروبات الكحولية وخاصة بزيادة الضريبة المفروضة عليها. كما تم حظر تقديم المشروبات الكحولية على بعض رحلات الخطوط الجوية التركية التي تديرها الدولة.

احتجاجات تقسيم : إنصاف للبيئة أم تصفية حسابات مع الحكومة التركية؟

وسيمة بن صالح - تركيا

تصدر ميدان تقسيم الواقع بمركز مدينة إسطنبول واجهة الأخبار المحلية بتركيا و العالمية خلال الأيام السابقة، بعدما تحول احتجاج صغير لمجموعة من أنصار البيئة إلى مواجهات عنيفة ما بين محتجين ضد حكومة حزب العدالة و التنمية و شرطة مكافحة الشغب التركية، لتمتد إلى بعض المدن التركية الأخرى خاصة العاصمة أنقرة. لكن الملاحظ أن المدن التي انتفضت دعما لما وصفوه '' لثورة تقسيم '' معروفة بأنها معاقل لمؤيدي التيار العلماني بتركيا خاصة مدينة إزمير.
و بدأ الموضوع عندما قام مجموعة من أنصار البيئة بالإعتصام بحديقة '' غيري '' بمنطقة تقسيم التي تعد قلب مدينة إسطنبول الحيوي، بالإعتصام بالحديقة و نصب خيام احتجاجا على مشروع إزالة الحديقة لبناء مبنى على شكل ثكنة عسكرية قديمة على الطراز العثماني يضم مركزا ثقافيا و ربما مركزا تسوق. و بعد قيام شرطة مكافحة الشغب التركية بهدم الخيام و تفريق المعتصمين بالقوة، توسع الإحتجاج ليصبح مظاهرة ضد الحكومة التركية.

و تصف باهار بويوك يلماز إحدى المتظاهرات من العاصمة أنقرة و المنتمية لحزب الشعب الجمهوري المعارض حادثة الحديقة
'' بالنقطة التي أفاضت الكأس'' لهذا أصبحت رمزا للإحتجاجات. متهمة حزب العدالة و التنمية بالتوجه لبناء محلات و أبنية بهدف الربح التجاري على حساب الأماكن الخضراء بمدينة إسطنبول. كما أشارت إلى أن تدخل الشرطة بشكل عنيف ضد المعتصمين بالحديقة، جعلت آخرين ينضمون للمظاهرات لدعمهم و التعبير عن مطالبهم منهم الطبقات التي ترى أن أغنياء البلد يهمشونهم بمثل هذه المشاريع.  و اتهمت من وصفتهم '' بالأناركيين '' المندسين ضمن مجموعة المتظاهرين  بإلحاق ضرر و تدمير بالعديد من الممتلكات الخاصة و العامة في مناطق المظاهرات منها مناطق خضراء. لكنها في نفس الوقت انتقدت شرطة مكافحة الشغب الغاز المدمع ومسحوق الفلفل لصد المتظاهرين الذين قالت إنهم '' أبناء الوطن و لا يجب إيذاؤهم بهذا الشكل''.
و عند سؤالها عن عدم تقديم المتظاهرين عريضة مشتركة لإيضاح مطالبهم من الحكومة بدل الإتجاه للعنف، قالت أن المحتجين ليسوا أعضاء في تنظيم معين يمكن أن يعتمدوا عليه لتحرير مثل هذه العريضة، و هم من مختلف الإنتماءات، لهذا توجهوا للتعبير عن أنفسهم بهذا الشكل لنفاذ الوسائل لديهم. لكنها قالت أنه و بعد انسحاب الشرطة و إعلام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بفتح تحقيق في ممارسات شرطة مكافحة الشغب خلال صد المظاهرات و صدور قرار محكمة إدارية بإسطنبول لتعليق مشروع الحديقة، فإن الإحتجاجات ستخمد '' و قد خمدت فعلا. و لن تكون حاضرة في الأيام المقبلة، لأن الكل عبر عن مشاعره بالشكل الذي راه مناسبا و انتهى الموضوع.'' تقول.

من جانبه أفاد الصحفي التركي عاكف بيكي و هو من المقربين لحزب العدالة و التنمية، بأن المتظاهرين حولوا موضوعا بدأ بهدف بريئ و شرعي '' لضحية هوس لتحويل ميدان تقسيم '' لميدان التحرير ''  و المناداة بإسقاط الحكومة التركية. و أكد بأن الحكومة مجبرة على الإستماع لمطالب الشارع، و عدم التعامل بتعالي معهم، و هذا  أصلا شعار حزب العدالة و التنمية كما قال متسائلا :'' لكن ألا يجب أولا على الشارع تحديد مطالبه المشروعة بأسلون منطقي و ديموقراطي؟'' و قال أن المتظاهرين إذا كانوا يريدون تصفية حسابات مع الحزب الحاكم '' فلينتظروا إذن الإنتخابات الرئاسية التركية لعام 2014 للتعبير عن مطالبهم عبر صناديق الإقتراع!'' و استهجن أن يصل العداء لحزب العدالة و التنمية ليصل لعداء لمصلحة تركيا لوطن، لأنه و برأيه هذا الأسلوب لا يمت بصلة لمبادئ الديموقراطية و الحرية و الحقوق.
كما اتهم المتظاهرين باستغلالهم واقعة الحديقة للحصول على مكسب آني و هو إسقاط الحكومة، بنقل التظاهر إلى شبكات التواصل الإجتماعي و خاصة تويتر لكن بشكل مبتذل كما قال '' إذ أنهم اعتمدوا على نشر الأخبار الصفراء و الحقائق و الصور المفبركة، و شعارات مبرهجة مثل '' الربيع التركي قادم '' و غيرها من  الشعارات التي تحث المتظاهرين على الصمود لإسقاط الحكومة و القيام بإنقلاب عليها من خلال المحكمة الدستورية ''. و هذا حسب تعبيره، أخرج الإحتجاج على الممارسات العنيفة للشرطة ضد المتظاهرين عن سياقه و حرم المتضررين من الدفاع عن حقوقهم.


 و تعرف منطقة تقسيم بحركة السيارات الضخمة فيها، كونها مركزا سياحيا و اقتصاديا حيويا بمدينة إسطنبول، و المشروع الجديد لإعادة تهيئتها الذي تقوم به بلدية المدينة بدعم من حزب العدالة و التنمية يهدف لجعلها منطقة مشاة.




الأحد، 2 يونيو 2013

إشارات لتورط روسيا و الرئيس الشيشاني باغتيال أنقرة

وسيمة بن صالح - تركيا



أشارت نتائج التحقيقات الأولية في جريمة اغتيال رجل الأعمال التركي الشركسي ميدات أونلو بمكتبه بأنقرة مساء يوم الأربعاء 22 مايو/أيار 2013 إلى أن الرأس المدبر للعملية من أصل شيشاني يحمل الجنسية الروسية، في حين يحمل القاتل الجنسية التركية. حسب ما تداولته وسائل الإعلام التركية. و كان أونلو شخصية مشهورة بالعمل مع الشيشانيين في الخارج، و قنصلا شرفيا لجمهورية إشكيريا الشيشانية غير المعترف بها دوليا.
و حسب موقع جريدة '' يني شفق '' التركية، فإن العملية المشتركة لفرق مكافحة الإرهاب بإسطنبول و أنقرة أسفرت عن اعتقال ثلاثة أشخاص اعترفوا بدورهم في تنفيذ عملية الإغتيال من بينهم السائق الذي قاد القاتل لمكان الجريمة. فيما فر الرأس المدبر للعملية و الذي قدمه موقع الجريدة بإسم '' روسلان.أ'' إلى روسيا. و حسب الخبر فإن السلطات التركية المختصة قد أرسلت طلبا للسلطات الروسية لتسليمها المتهم. كما يرتقب أن يصدر الأنتربول مذكرة حمراء في حقه خلال الأيام القليلة المقبلة. و ذكر الموقع الإخباري نفسه أن القاتل مواطن تركي يدعى '' مراد آلوتش''، من ذوي السوابق، حيث اعتقله الأمن التركي عام 2007 بتهمة الإنتماء لمجموعة متخصصة في الجريمة المنظمة و سجن لمدة سنتين. و تم التأكد من هويته بفضل تسجيل كاميرا المراقبة لمحيط مكتب أونلو. كما أفاد شهود عيان للأمن التركي بأن المتهم كان على صلة بمؤيدي رئيس الجمهورية الشيشانية المناصر لموسكو رمضان قديروف. و توصل المحققون إلى أدلة تربط هذه الجريمة بتلك التي تم خلالها اغتيال ثلاث شخصيات شيشانية في شوارع إسطنبول عام 2011، إذا اكتشفوا أن السيارات المستعملة في كلا العمليتين تم تأجيرها من نفس الشركة، لكنهم استبعدوا وجود صلة لصاحب الشركة بعمليات الإغتيال. و حسب المصادر الأمنية التركية، فإنههم حددوا مكان  قد تم تحديد تواجد القاتل، أن اعتقاله هو مسألة وقت فقط.

 و اتهمت عائلة أونلو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و مناصره الشيشاني رمضان قديروف باغتياله، لأنه كان يشكل تهديدا لهما لشعبيته الكبيرة في صفوف المناصرين للقضية الشيشانية بتركيا و خارجها. و أفادت أرملته ليلى إيسار أونلو أن زوجها اتهم الرئيس الشيشاني قديروف بالوقوف وراء تفجيرات بوسطن و إلصاق صفة الإرهاب بالشعب الشيشاني، من خلال برنامج تلفزيوني على قناة ''A خبر'' التركية. كما أنه و قبل أسبوعين من اغتياله، نجح في بث وثائقي من إعداده يحكي حياة الزعيم الشيشاني الراحل جوهر دوداييف على قناة '' 24 '' التركية.  لكنها أشارت لثقة عائلتها بجدية الجهود التي تقوم بها السلطات التركية من أجل الإيقاع بكل المتورطين في هذه الجريمة '' زوجي كان مواطنا تركيا، و إذا لم تنصفه دولته، فمن سيقوم بذلك؟'' تختم حديثها متسائلة.


 من جهته، ربط مراد أوزار رئيس منظمة مكان دار بإسطنبول - و التي تعنى بشؤون اللاجئين من شمال القوقاز -جميع عمليات الإغتيال السابقة و الحالية في تركيا، بالمخابرات الروسية و مناصري الرئيس الشيشاني قديروف. 
و أفاد أنه بتاريخ 13 مارس / آذار 2009، تقدم المدعي العام بمحكمة الدرجة الأولى بباريس بطلب رسمي للسلطات التركية المختصة، لتقديم المساعدة و إرسال معلومات تتعلق بعمليات الإغتيال التي تعرض لها معارضون شيشانيون للرئيس قديروف بتركيا. و حسب تلك الوثائق فإن المدعي العام بباريس توصل بتقارير من المخابرات الفرنسية حول فريق اغتيالات مكون من ثلاثة أشخاص موالين لقديروف، دخلو الأراضي الفرنسية للقيام بعمليات اغتيالات. كما أن الوثائق تشير إلى أن المخابرات الفرنسية تمكنت من الحصول على قائمة من إعداد الرئيس الشيشاني قديروف، تتضمن إسم 400 شخصية معارضة له بغرض تصفيتها.
كما أفاد بأن عملية اغتيال أونلو، يمكن أن تكون بداية لحملة اغتيالات ضد كل من يعارض إقامة أولمبياد سوتشي الشتوي في شهر يناير/ كانون الثاني العام المقبل. و حسب ما أشار إليه فإن الرئيس الروسين بوتين سبق و هدد '' بإسكات أي صوت يرتفع لمنع تنظيم هذه الفعالية ''.  و تأتي أهمية هذا الحدث وفق ما شرحه أوزار إلى أنه يعرف معارضة ليس فقط من قبل الشيشانيين بل أيضا الشركس، الداغستانيين و الدياسبورا في كل أنحاء العام. '' لأنهم يعتبرون تنظيمه إهانة لمشاعر الشركس، الذين تعرضوا لمجازر في تلك المدينة، إبان الحرب مع روسيا'' حسب تعبيره.

و تم العثور على أونلو من قبل أخيه مقتولا بمكتبه في أحد المناطق المركزية بمدينة أنقرة، بعد أن أصاب القلق زوجته لعدم وصوله للمنزل في وقته المعهود. و تلقى الضحية ثلاث رصاصات في البطن، الذراع و الرأس. و رغم أنه أول مواطن تركي يتعرض لعملية اغتيال لها علاقة بالنضال في القضية الشيشانية، فإن مقتله يرفع عدد الضحايا إلى 7، حيث سبق و اغتيلت 6 شخصيات شيشانية منذ عام 2008 بمدينة إسطنبول.

الأحد، 10 يونيو 2012

تركيا تحظر الإضراب في مجال النقل الجوي


وسيمة بن صالح - إسطنبول

احتجاجا على خطط الحكومة التركية لمنع الإضرابات في قطاع الطيران المدني، توقف عدد كبير من موظفي شركة الخطوط الجوية التركية عن العمل نهاية الشهر الماضي، مما سبب إلغاء أكثر من مائة رحلة. فكان رد الشركة فصل 305 من طواقم الضيافة و الطواقم الفنية و الهندسية الذين شاركوا في الإضراب عن العمل، من بينهم ثلاثة طيارين. أما الحكومة التركية فقد أقرت بعد يومين من الإضراب، مشروع القانون الذي يحظر الإضراب في قطاع النقل الجوي.

و أمام إحدى بوابات الرحلات الدولية لمطار أتاتورك الدولي، بدأ العاملون الذين فقدوا وظائفهم بشكل تعسفي كما يقولون اعتصاما مفتوحا، لن يفكوه إلا بعد أن تتحقق مطالبهم و أهمها : تغيير القانون الجديد و إعادتهم لمناصبهم.

و حسب أتيلاي أيشن رئيس نقابة عمال الطيران المدني التركية، فبوادر الأزمة تعود إلى ما قبل 18 شهر،  عرقلت خلالها شركة الخطوط الجوية تنفيذ شروط الإتفاقيات الجماعية التي تعقدها عادة النقابة لتأمين قواعد خاصة بما يتعلق بأجور العاملين و تحسين ظروف العمل و حقوقهم بشكل عام.
 مفيدا أنهم كانوا ينوون الإضراب لجعل الشركة تنصت إليهم، لكنهم اكتشفوا أن هناك خطة حكومية لمصادرة هذا الحق منهم، فقرروا الإضراب عن العمل احتجاجا على هذه الخطة. علما أنه هذا الإضراب الثاني لهم منذ 20 سنة كما قال. و يرى مصادرة حق من حقوق العمال الشرعية عالميا، عيب على '' دولة تدعي الديموقراطية و ترغب بالإنضمام للإتحاد الأوروبي '' حسب تعبيره.  معلنا أنهم بدؤوا كل الإجراءات القانونية التي تخول لهم الطعن في هذا القانون الجديد، و أن المفصولين عن العمل منهم من بدأ برفع دعاوي ضد الشركة في محكمة الخاصة بنزاعات الشغل.



ديليك التي تعمل في الخطوط الجوية التركية كمضيفة طيران منذ 13 سنة، هي إحدى اللواتي تعرضن للفصل، لا تخفي أن الأجور التي يتلقونها أعلى مقارنة بباقي الخطوط الجوية، لكن المشكلة تكمن في غياب قانون يضمن حقوق العاملين باستثناء الشروط التي تنص عليها إتفاقيات العمل الجماعية التي تبرمها النقابة مع الشركة.  تشكي ضغط الإدارة الجديدة للشركة، التي تجبرهم على العمل حتى عند الإصابة بوعكات صحية، إذ أن الحصول على تقرير طبي هو بمثابة معجزة، بعد أن اكتشفوا أن الأطباء في المشافي التي يقصدونها ما إن يعرفوا إنهم من طاقم شركة الخطوط الجوية التركية حتى يرفضون تقديم تقرير طبي للتغيب عن العمل بدعوى أن المرض ليس خطيرا كما تقول. مؤكدة أن هناك زملاء لها اضطروا للعمل رغم معاناتهم من تمزقات في آذانهم. و تتابع أنه حتى أيام استراحتهم، بدلا أن تبدأ بعد 14 ساعة من توقيت آخررحلة يقومون بها، '' لكن الشركة لا تحترم هذا، بل تعتبرنا دخلنا يوم إستراحتنا ما إن تحط طائرة الرحلة الأخيرة في برنامجنا '' كما صرحت.
ديليك تؤكد أنهم يطالبون أن يتم مراعاة حالتهم الصحية و نيل قسط مناسب من الراحة ليتمكنوا من العمل بشكل جيد و تتابع '' عملنا يتطلب الإنتباه التام لكل الحواس، و عواقب الإرهاق المتواصل و استنزاف طاقاتنا سيكون وخيما.'' مشيرة إلى أن أي انخفاض بسيط في تطبيق شروط السلامة على متن الطائرة يجعل حياة الطاقم و المسافرين في خطر.معبرة عن حزنها لأن زملائها الذين كانوا في إجازة يوم الإضراب، لكنهم آثروا القدوم و الوقوف معهم، هم أيضا فصلوا عن العمل. 
من جهته يشتكي خلدون الذي كان يعمل منذ 14 عاما ضمن الطاقم الفني لصيانة الطائرات قبل فصله عن العمل، من إجبار الإدارة له كمسؤول صيانة على تصديق مهمة العاملين الذين قاموا بأعمال صيانة لطائرات لا تدخل في مجال خبرته. و هذا طبعا يجعله يتحمل مسؤولية جسيمة في حالة حصل حادث كما يقول متابعا '' لا يتاح لي الوقت حتى للكشف عن التغييرات التي طرأت على الآلة، و إذا رفضت الإنصياع للأوامر أهدد بالطرد ''. مشيرا أن معظم أعضاء الإدارة الجديدة للشركة هم من خارج قطاع الطيران. و عبر عن رفضه للعودة للعمل مع نفس الشركة، لأنها رمته كممسحة عندما قرر استخدام حق شرعي له للإحتجاج على شروط العمل، لكنه سيواصل الإعتصام تضامنا مع زملائه.
أما شركة الخطوط التركية ، فهي ترفض الإدلاء بأي تصريح في ما يتعلق بهذه الأزمة، إذ أكدت إحدى العاملات في مقر الشركة الرئيسي في مدينة إسطنبول عند اتصال الجزيرة.نت بها، أن إدارة الشركة اتخذت قرار بعدم التحدث للإعلام في هذا الشأن.
يشار إلى أن النائب البرلماني عن حزب العدالة و التنمية في مدينة إسطنبول متين كولوك هو من قام بتحضير مسودة مشروع منع الإضراب في مجال النقل الجوي و مجالات أخرى. و ذلك بعد  أن تسبب الإضراب في إلغاء أكثر من 100 رحلة طيران. فيما وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان القرار الجديد بالخطوة الأولى من أجل إقرار عقود عمل جديدة و تحسين العمل وخدمات الضمان الإجتماعي للعاملين.
القانون الجديد أيضا يمنع الإضراب للعاملين في قطاعات أخرى هي : خدمات الإنعاش، الجنازة، بعض فروع قطاع الطاقة، قطاع البنك، الكاتب العدلي، قطاع الإطفاء، النقل البحري المدني والنقل البري والسكك الحديدية.



الاثنين، 21 مايو 2012

جرحى سوريا يعانون الإهمال في تركيا


وسيمة بن صالح - إسطنبول

من داخل بيت أجره لهم طبيب سوري مقيم في تركيا من مصروفه الخاص، يتقاسم 15 جريح سوري معاناتهم و آلامهم و يواسون بعضهم البعض، جرحى فضلوا الهرب من  المستشفى الوطني بأنطاكيا للعلاج في مدينة إسطنبول، متحملين 17 ساعة سفر بالباص، فقط لكي ينقذوا أطراف أجسامهم من البتر و القطع كما يقولون. مؤكدين أنهم لو كانوا يعرفون أن الأطباء في أنطاكيا بلا رحمة لكانوا ظلوا في سوريا للموت بشرف و لا المذلة التي يعايشونها على الأراضي التركية  ليس من قبل الأتراك بل من قبل أبناء وطنهم '' السوريين ''.


أصيب أحمد ر. من كفر نبودة بانفجار لغمي قتل 14 من رفاقه و أصابه بحروق و إصابات بليغة في أماكن متفرقة من جسده. ظل لمدة 8 أيام في منزل أهله و شظايا اللغم داخل جسده خاصة رجله اليمنى التي أصيبت بضرر بالغ كما يروي، و تم تهريبه ليعالج في مدينة أنطاكيا. حيث يقول أنه بقي لمدة شهرين و نصف ينتظر وعود الأطباء هناك بإجراء عملية له، '' في بعض الأحيان لم أكن أستطيع تحمل الروائح الكريهة الصادرة عن الجرح، عندما يتأخرون أياما لتنظيفه. ''. و عندما عرف أن شبابا يهربون لمدينة إسطنبول للعلاج، قرر بدوره المجازفة و مرافقتهم عله يجد نهاية لمعاناته. إلا أنه و بسبب الإهمال الطويل لجراحه كما يقول، تم بتر ساقه اليمنى،و هو أمر صعب يحاول التعود عليه  معلقا بحزن '' تغربت عالفاضي و في آخر المطاف فقدت ساقي ''.
أما الجريح سامي ع. فقد كان أوفر حظا منه، لأنه لم يبقى حتى يقرر الأطباء قطع أصابع رجله كما يقول '' الأطباء في أنطاكيا مجرمون، ما يبرعون فيه هو بتر الأطراف مباشرة ''. و قد نجح الأطباء في إحدى مستشفيات  إسطنبول بترميم أصابعه، و رغم أنه سيحتاج لعلاج فيزيائي لمدة طويلة، لكنه يحمد الله أنه لم يفقدها. معبرا عن خيبة أمله عندما لامس التعامل مع الجرحى السوريين في تركيا، بعد أن كان يظن أن الوضع جيد، مؤكدا أن انعدام الأمان في سوريا و قصف قراهم  هو السبب الوحيد الذي أقنعه بالذهاب لأنطاكيا لتلقي العلاج، خاتما قوله قائلا : '' على الأقل الأطباء بسوريا في قلوبهم رحمة ! ''




 و يوافقه الرأي الجريح أبو حمزة الذي يحكي بغضب كيف أن الأطباء في المستشفى الوطني بأنطاكيا أخبروه أن ساقه سليمة  بحاجة للتجبير فقط، ليفاجأ بعد قدومه لإسطنبول أنها مصابة بعشرين كسرا، '' لو كنت اتبعت تعليماتهم، كنت سأصاب بالغارغرينا و بالتالي أفقد ساقي '' . لكنه أيضا لا يلقي باللوم على الحكومة التركية و لا العاملين في المشافي التركية، بل يلقي باللوم على  السوريين في تركيا و الخارج لأن قضيتهم واحدة و يجب أن يكونوا موحدين، معلقا أنهم يريدون فقط سوريا على طبق من فضة 
'' نحن مظلومون في الداخل و الخارج، لكننا بإذن الله سننتصر ''.

جريح آخر أصيب في عموده الفقري، و ظل حبيس فراشه لمدة 4 أشهر قبل أن يستطيع تركيب بلاتين في عموده الفقري، و مازال يعاني من مضاعفات الإصابة، يعبر عن تأثير سوء التعامل معهم على معنوياته بشكل سلبي قائلا : '' عندما كنا في سوريا، كنا نقتسم قطعة الخبز بين عشرة، فقط لنظل صامدين، لكن وضع السوريين في الخارج أصابني بحالة يأس''. متسائلا كيف أن '' ملايين السوريين المغتربين لا يستطيعون التكفل بعلاج عشرات الجرحى الذين خروجوا يقاتلون من أجل كرامة كل السوريين؟''





 و في اتصال هاتفي مع الجزيرة.نت، يشير د.أحمد من اللجنة الوطنية لرابطة الأطباء السوريين المغتربين بالسعودية أن طبيعة الرصاص المتفجر و طريقة نقل المصابين من داخل سوريا للأراضي التركية، يزيد من تفاقم الإصابات التي تصاب بسرعة بإنتان و تصبح خطيرة. و بما أن العديد من الحالات تضطر لإنتظار دورها ليتم نقلها لمشافي أنقرة أو إسطنبول، فهذا يعقد الأمور و يؤدي لحالات بتر و ضرر بالغ.
كما يفيد أنه و باستثناء فئة صغيرة من الناس  الذين يدعمون الجرحى بصدق و أمانة، فلا تصل نسبة 25% من المساعدات المرسلة للجرحى ليستفيدوا منها. رغم أنهم و كما يصفهم '' أساس الثورة السورية '' و يجب أن يحظوا بكامل العناية حسب تعليقه.  و يتذكر كيف أن جريحا و قبل أن يستشهد متأثرا بجراحه. كان يريد العودة للموت في سوريا بشرف بدل البقاء و تحمل ظلم و حسنات ناس يمنون عليه أنهم يدفعون أموالا لمعالجته.
 كما يصف وضع المراكز التي ينقل إليها الجرحى بهدف '' النقاهة '' لا تتوفر على أدنى شروط  الراحة و لا الطعام الكافي للمريض الجريح لإستعادة قواهم. مناشدا الجهات المتبرعة بالتقصي بشكل جيد قبل إرسال المساعدات و التأكد أن ما تبعثه في أيدي أمينة و سيصل لمستحقينه، بدل إرسالها لجهات وصفها بأنها '' مصاصي دماء و تعيش على دماء الجرحى''.

و يعالج الجرحى في مدينة إسطنبول بعضهم على حسابه الشخصي بفضل مساعدات أقارب أو معارف له، و الآخرون يحاول بعض اللاجئين السوريين في إسطنبول جمع تبرعات لهم بوسائل مختلفة و مجهودات فردية. و يجمعون أنهم حتى بدون أخذ فترة نقاهة سيعودون لسوريا للقتال ضد اقوات النظام السوري حتى إسقاطه أو نيل الشهادة.


و يعالج الجرحى في مدينة إسطنبول بعضهم على حسابه الشخصي بفضل مساعدات أقارب أو معارف له، و الآخرون يحاول بعض اللاجئين السوريين في إسطنبول جمع تبرعات لهم بوسائل مختلفة و مجهودات فردية. و يجمعون أنهم حتى بدون أخذ فترة نقاهة سيعودون لسوريا للقتال ضد اقوات النظام السوري حتى إسقاطه أو نيل الشهادة.

الجمعة، 20 أبريل 2012

توسع في التعليم الديني بتركيا

وسيمة بن صالح - إسطنبول
منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا, بدأ شكل التعليم يتغير ليأخذ اتجاها جديدا يسمح بتعليم القرآن والعلوم الإسلامية, ليحظى الجيل التركي الجديد بفرصة الحصول على هذا النوع من التعليم منذ الصغر بحرية مطلقة، عكس الأجيال السابقة التي حرمت منه بسبب قرارات الحكومات العلمانية المتعاقبة.
فبعد موافقة البرلمان التركي على إصلاح نظام التعليم وإدخال القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة مواد اختيارية في المرحلتين المتوسطة والثانوية، ها هي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التركية تمسك إدارة مراكز تعليم القرآن الكريم بعد أن كانت إدارتها بيد وزارة التربية الوطنية.
لن يقتصر عمل هذه المراكز فقط على تعليم القرآن الكريم، بل تشمل تعليم منهج ديني متكامل طيلة العام وليس فقط فترة الصيف.
كان قرار مجلس الأمن القومي التركي بعد انقلاب 28 فبراير/شباط 1997 قد حرم العديد من الأسر التركية من إرسال أبنائها دون سن 15 لتلقي التعليم الديني في مراكز تعليم القرآن الكريم.
ومعروف أن السياسة العلمانية لتركيا تمنع التعليم الديني في المدارس, لكن حكومة العدالة والتنمية رخصت في سبتمبر/أيلول من العام الماضي تعليم القرآن للأطفال دون التقيد بأي سن أو مرحلة عمرية معينة في المراكز الخاصة به.
أما هذا العام فقد أدخلت تعديلات يصفها البعض بالجذرية على نفس القانون، إذ ستسمح وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أيضا بفتح مراكز تعليم القرآن الكريم في المساجد والأماكن التي تراها مناسبة لتقديم التعليم الديني الذي لن يقتصر فقط على تعليم وتحفيظ القرآن الكريم، بل سيشمل السيرة النبوية الشريفة والأحاديث وتفسير معاني السور والآيات والأدعية والأخلاق الإسلامية, إضافة إلى أنشطة اجتماعية وثقافية إسلامية.
كما يمكن للأجانب المقيمين في تركيا الالتحاق بهذه المراكز، أما غير المقيمين فعليهم الحصول على إذن من وزارة الخارجية.
وقد علقت نور سيرتار النائبة عن حزب الشعب الجمهوري المعارض في الإعلام التركي -المعروف عنها محاربتها لكل مظاهر الدين في المؤسسات التعليمية- عن هذه التعديلات بأنها "غسل للأدمغة" و"دعاية للإسلام السياسي".
واقتبست إحدى الجمل التي استخدمها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتصريح حول الموضوع "نريد تربية جيل ورع"، لتتساءل عما إذا كان يهدف من وراء هذا إلى "تربية جيل من الملالي المتشددين", حسب تعبيرها.
وانتقدت تدريس القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة في المدارس, متسائلة عن جدوى ذلك "ما دامت هذه المواد ستدرس في المراكز الدينية وطيلة العام".
أما جمال دمير نائب مدير ثانوية إمام الخطيب بمنطقة أسكودار بمدينة إسطنبول فيعبر عن ارتياحه الكبير لهذه التعديلات الجديدة، لأنها ستزيد برأيه من التحاق التلاميذ بهذه المدارس إضافة إلى أنها "ستعيد لخريجي مدارس إمام الخطيب الدينية حقوقهم للالتحاق بأي تخصص يرغبونه في الجامعات"، بعد أن كان يطبق عليهم نظام علامات مغاير للنظام المستعمل مع علامات طلاب المدارس الأخرى، "مما كان يجعل علاماتهم دائما منخفضة، وبالتالي كانوا يجبرون على الالتحاق بتخصصات محددة لا تكون فعلا ما يرغبون به"، حسب تعبيره.

وتوافقه الرأي حنيفة غوكدمير، وهي إحدى خريجات مدارس إمام الخطيب، التي تفيد بأنها الآن ممتنة لقرار الحكومة التركية الذي يتماشى مع رغبة قسم كبير من الشعب التركي، "الذي عانى من الحرمان من ممارسة شعائره الدينية لعقود".
وتؤكد أنها وزوجها حرصا منذ بلغ طفلاهما خمس سنوات على إرسالهما لتعلم القرآن الكريم في بيوت بعض العائلات بشكل خفي، كما أنهما يحرصان على "الجلوس كل مساء معهما لمراجعة ما تعلماه من الذكر الحكيم" كطقس يومي للأسرة، كما قالت.
وعندما سألت الجزيرة نت محمد علي الابن الأكبر البالغ من العمر تسع سنوات لماذا يريد تعلم القرآن الكريم أجاب بأن "القرآن الكريم هو كتاب المسلمين، والله يحب الذين يقرؤونه، ولنستحق دخول الجنة يجب أن نقرأه". وتشير الأم إلى أن الطفلين قد شارفا على ختم القرآن الكريم قراءة، وأنهما يحفظان جل السور القصيرة.

اللاجئون السوريون خارج المخيمات بتركيا


وسيمة بن صالح - إسطنبول
مازال النازحون السوريون يتوافدون على الأراضي التركية يوما بعد يوم منذ بداية الثورة في بلادهم، يدفعهم الخوف من الاعتقال والقتل، وسواء كانوا داخل المخيمات التركية أو خارجها، فهم يناضلون لتوفير لقمة العيش والتعليم لأبنائهم، مترقبين بصبر سقوط النظام الحاكم للعودة إلى ربوع الوطن.
كثير من اللاجئين الذين نزحوا، لم يقبلوا العيش داخل المخيمات التي تعاني من ظروف سيئة أصلا كما يقولون، وجازفوا بالقدوم إلى مدينة إسطنبول أملا في الحصول على فرص عمل، أو أن تمد لهم المنظمات الإنسانية يد العون.
لكنهم وجدوا أنفسهم يواجهون واقعا مغايرا فرض عليهم قبول العيش في ظروف صعبة داخل بيوت قديمة، شبه فارغة، يقاسون البرد ويحاولون تدبير أمورهم دون طلب أي مساعدة من الآخرين صونا لما تبقى لهم من كرامة لم يفلح النظام السوري في تحطيمها كما تقول إحدى النازحات من دمشق.
وكشفت ناشطة سياسية فضلت عدم ذكر اسمها، للجزيرة نت، تعرضها للتحقيق عدة مرات من قبل الأمن السوري، وبعد تلقيها تهديدات مباشرة مع انطلاق الثورة، آثرت النزوح مع ولديها إلى تركيا، تاركة خلفها زوجها وابنها بدمشق، قائلة ''لولا خوفي من الاعتقال والاغتصاب، ما كنت فتحت باب بيتي وطلعت من بلدي''.
تمكنت هذه الناشطة من الحصول على عمل مدرسة لغة عربية في إسطنبول، لكنها وجدت نفسها مضطرة للعمل ساعات طويلة، لتصرف على ''بيت في مدينة غالية مثل إسطنبول، وولدين، براتب واحد''.
وتشير إلى أن السلطات الأمنية التركية رفضت طلبها للحصول على إقامة مؤقتة بحجة أن عقد إيجار المنزل يجب أن يكون بتاريخ نفس اليوم الذي وصلت فيه، إضافة إلى أنهم طلبوا شهادة ميلاد ابنها البالغ من العمر 14 عاما مصدقة من الخارجية والسفارة السورية بتركيا، وهذا ''أمر مستحيل في ظل الظروف الراهنة'' كما تقول، مؤكدة أنها الآن تعيش بشكل مخالف للقانون التركي الذي يسمح للسوريين بالإقامة السياحية فقط لمدة ثلاثة أشهر.
لكنها تحمد الله وتؤكد أن وضعها ''أهون بكثير من باقي العوائل التي تعاني بصمت'' مثل أسرة نازحة في مدينة إسطنبول، يخرج فيها الأب وأطفاله إلى المقابر لجمع بقايا ما يجدونه من حطب وأوراق للتدفئة في منزل مكون من غرفتين.
ورغم هذه الأحوال المزرية، فقد قررت هذه الأسرة تخصيص القسم الأكبر من الأجرة الزهيدة التي يحصل عليها الأب من عمله كمترجم، لتأمين مبلغ يدفعونه لمن يقبل بتقديم دروس خاصة لأبنائهم من المدرسين العرب في إسطنبول.


طلاب محرومون

هاجس تعليم الأبناء هو إحدى العقبات الكبيرة التي تناضل العوائل السورية النازحة للتغلب عليها، كما تؤكد لاجئة زوجة لأحد المعتقلين السابقين، هربت مع أسرتها بعد أن أصبح زوجها مطلوبا في كل الأفرع الأمنية بمدينة اللاذقية.
تقول اللاجئة إنهم باعوا سيارتهم داخل سوريا لتأمين مصاريف السفر إلى تركيا وتأمين مستقبل أطفالهم الثلاثة، علما أن زوجها -كما تقول- نزح بشكل غير شرعي إلى تركيا مشيا على الأقدام بعد تعميم اسمه من قبل الأمن السوري على كل الحدود.
ومع أنهم يعيشون داخل منزل فارغ من الأثاث فإن ما يشغلهم -كما تقول الأم- توفير فرصة التعليم لولديها ''قلبي محروق لأن المدارس العربية في إسطنبول لم تقبل تسجيل أبنائي، والمدرسة الوحيدة التي قبلت ذلك اشترطت دفع أقساط الفصل التي تبلغ 1600 دولار لطفلين في المرحلة الابتدائية''.
وتؤكد أن تأمين مثل هذا المبلغ في يومين -المدة التي أمهلتها المدرسة- أمر مستحيل، قائلة ''لم ألغ تسجيل أبنائي، لكنني أيضا لم أستطع إرسالهم إلى المدرسة، أشعر بحيرة وغبن كبيرين، وفي انتظار فرج الله''.
وتؤكد أن أسرتها مستعدة للعودة لسوريا في نفس اليوم الذي يسقط النظام الحاكم، وأنهم مستعدون للعودة أيضا إذا تم فتح ممرات آمنة.
ويحس الطلاب السوريون في المدارس العربية بمدينة إسطنبول أن المسؤولين عن هذه المدارس، يحتذون بنظام الأسد في القمع ويشتكون من الطلاب الذين يتكلمون عن الأوضاع في سوريا، مما جعل العديد من الطلاب يغادرون المدارس أو يتعرضون للطرد.
كما يشكو طالب لم يقبل بذكر اسمه خوفا من التعرض للطرد بدوره، أن هذا التعامل جعل العديد من الطلاب السوريين يتحاشون ذكر ما يحدث في سوريا داخل المدارس ''حتى إن أحد أصدقائي غادر المدرسة منذ فترة، وهو الآن في طريقه لدخول سوريا لحمل السلاح والقتال إلى جانب الثوار''.
ويؤكد أن العديد من الطلاب السوريين يعيشون ظروفا نفسية سيئة، خاصة الذين لا يتوافرون على أقساط المدارس أو الذين تم طردهم من المدارس في نصف السنة الدراسية، معبرا عن أمله أن تقوم الجمعيات العربية في تركيا بتقديم الدعم لهؤلاء الطلاب والتكفل بتدريسهم وعدم حرمانهم من حقهم الأساسي لتأمين مستقبلهم.
ويحاول معظم هؤلاء النازحين ألا يحتكوا بالآخرين كثيرا، خوفا من أعين المخابرات السورية التي يمكن أن تؤذيهم وتؤذي عوائلهم التي مازالت داخل سوريا.