وسيمة بن صالح - تركيا
أقر البرلمان التركي في 24 من شهر مايو/أيار المنصرم قانونا يشدد القيود على استهلاك الخمور و
بيعها و الإعلان عنها، لتنطلق معه جولة جديدة من المواجهات ما بين الحزب الحاكم و
التيار العلماني الذي يرى أن مثل هذه القوانين تلطخ صورة الديموقراطية بتركيا و
تقوض مبدأ الفصل ما بين الدولة و الدين رغم دستور البلاد العلماني. في حين يؤكد
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان نيته لحماية الجيل الناشئ بتطبيق نص
المادة 58 من الدستور التركي الذي يقر
بأنه على '' الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الشباب من إدمان الكحول و
المخدرات و الجريمة و القمار و غيرها من الرذائل''.
يمنع القانون الجديد بيع
المشروبات الكحولية إنطلاقا من الساعة العاشرة ليلا إلى غاية الساعة السادسة
صباحا، و يحظر إعلاناتها بجميع الأشكال حتى في الأعمال الفنية التلفزيونية. إضافة
إلى منع أماكن تقديم هذه المشروبات من الإعتماد على المظاهر التي تشير إلى تقديمها
في الداخل، كما أصبحت الشركات المنتجة للكحول ممنوعة من رعاية الأنشطة العامة. و
تم خفض نسبة الكحول المسموح بها لإجتياز '' فحص النفخ '' من 1 بروميلين إلى 0.5
بروميلين. و يمنع القانون بيع المشروبات الكحولية داخل محيط أقل 100 متر بعيدا عن
المؤسسات التعليمية بكل أنواعها و أماكن العبادة. لكن هذه المسافة لن تكون ملزمة
للمحلات في المناطق السياحية.
و يعاقب كل من يبيع المشروبات
الكحولية خلال فترة الحظر بغرامات مالية تتوارح ما بين 20 ألف ليرة تركية و 100
ألف ليرة تركية ( ما بين 10,559 دولار أمريكي و 52,795 دولار أمريكي). أما بالنسبة
للسائقين الذين تتجاوز نسبة الكحول التي تعاطوها النسبة المحددة فسيكون عليهم دفع
700 ليرة تركية ( ما يعادل 369.57 دولار
أمريكي) و تصادر رخصة قيادتهم لمدة 6 أشهر. في حين يغرم السائق الذي يرفض الخضوع
لفحص النفخ، بقيمة 2000 ليرة تركية ( ما يعادل 1,055 دولار أمريكي) و تسحب رخصته
لمدة عامين. و يعاقب كل يتسبب بحادث سير
تحت تأثير الكحول حسب أحكام قوانين الجمهورية التركية.
و اعتبر المحامي محرم بالجي الرئيس السابق
لجمعية '' الهلال الأخضر '' التركية، استثناء المناطق السياحية من بعض الإلتزامات
قصورا في هذا القانون، و سببا لجعل تطبيقه صعبا نسبيا. لكنه و في نفس الوقت أكد أن
تشريعات تقييد استهلاك الخمور هي معايير دولية تطبقها دول العالم، و عزا سبب
المعارضة العنيفة لمثل هذه التشريعات بتركيا '' كون العلمانية تيار سياسي يعتبر أي
قرار من الحكومة التركية ذات التوجه الإسلامي، فرضا للدين في المجتمع'' حسب
تعبيره.
و أكد أن القانون الجديد لا يسعى
لتقليص الحريات الفردية، بل يهدف لإتخاذ تدابير وقائية في مواجهة ما وصفه بالآفات
التي يسببها تعاطي الكحول مثل حوادث السير، جرائم القتل و الإغتصاب و تفكك الأسرة.
و أشار إلى أن حماية مستقبل المواطنين هو مسؤولية كل الحكومات، كما أنه '' قانونيا
يحق لضحايا حوادث سببها الكحول في دولة لا تنتهج مثل هذه القوانين، مقاضاة
حكوماتهم أمام القضاء في الداخل و الخارج'' حسب ما قاله.
و شكلت جمعية '' الهلال الأخضر التركي '' عام 1920 من قبل
مثقفين أتراك '' لمنع انتشار الإدمان على المخدرات و الكحول الذي يؤثر على الشباب
و قدرتهم على مقاومة الإحتلال البريطاني الذي كان يوزع هذه المواد على الشباب
التركي مجانا لإضعاف عزيمته'' كما جاء في موقع الجمعية.
و تعارض الشابة التركية سينام
ألتونباش العاملة في شركة لشبكات التواصل الإجتماعي هذا القانون، معتبرة أنه يعرقل
الحريات الفردية و يعارض مبادئ الديموقراطية. و تقول أن مثل هذا القانون '' لن
يتمكن من درع المدمنين، بل هو أحد القوانين الغبية التي تنتهجها حكومة إردوغان
للتدخل في أسلوب حياتنا''.
أما
الطالب التركي معروف جانلي أوغلو ذو 19 عاما، فرأى أن هذا القانون يتناسب مع
المعايير الدولية، و عبر عن تفهمه لرغبة أردوغان في بناء جيل يافع متيقظ، إلا أنه
أفاد بأنه '' لا يمكن تحقيق هذا الهدف باستعمال قوة السلطة الحكومية و أدواتها''
مشيرا إلى ما وصفه بالمحاولة الفاشلة للحكومات العلمانية من قبل لمنع مظاهر
الممارسات الإسلامية من قبل. و يرى أن
أفضل أسلوب هو '' الإعتماد على النوادي الإجتماعية و الجمعيات الأهلية لتوعية
الشباب بمضار هذه العادات السيئة''، لكنه أكد أن الدور الأهم و الأساسي يعود
للأسرة و البيئة الإجتماعية المحيطة.
يشار إلى أن هذا
المشروع لن يطبق صيف هذا العام، لأنه و حسب القوانين التركية، يجب أن يدخل حيز
التنفيذ بعد مرور 90 يوما من نشره في الجريدة الرسمية. ومنذ 2002 اتخذت الحكومة التركية سلسلة من الاجراءات الرامية الى
الحد من استهلاك المشروبات الكحولية وخاصة بزيادة الضريبة المفروضة عليها. كما تم
حظر تقديم المشروبات الكحولية على بعض رحلات الخطوط الجوية التركية التي
تديرها الدولة.