الأحد، 10 يونيو 2012

تركيا تحظر الإضراب في مجال النقل الجوي


وسيمة بن صالح - إسطنبول

احتجاجا على خطط الحكومة التركية لمنع الإضرابات في قطاع الطيران المدني، توقف عدد كبير من موظفي شركة الخطوط الجوية التركية عن العمل نهاية الشهر الماضي، مما سبب إلغاء أكثر من مائة رحلة. فكان رد الشركة فصل 305 من طواقم الضيافة و الطواقم الفنية و الهندسية الذين شاركوا في الإضراب عن العمل، من بينهم ثلاثة طيارين. أما الحكومة التركية فقد أقرت بعد يومين من الإضراب، مشروع القانون الذي يحظر الإضراب في قطاع النقل الجوي.

و أمام إحدى بوابات الرحلات الدولية لمطار أتاتورك الدولي، بدأ العاملون الذين فقدوا وظائفهم بشكل تعسفي كما يقولون اعتصاما مفتوحا، لن يفكوه إلا بعد أن تتحقق مطالبهم و أهمها : تغيير القانون الجديد و إعادتهم لمناصبهم.

و حسب أتيلاي أيشن رئيس نقابة عمال الطيران المدني التركية، فبوادر الأزمة تعود إلى ما قبل 18 شهر،  عرقلت خلالها شركة الخطوط الجوية تنفيذ شروط الإتفاقيات الجماعية التي تعقدها عادة النقابة لتأمين قواعد خاصة بما يتعلق بأجور العاملين و تحسين ظروف العمل و حقوقهم بشكل عام.
 مفيدا أنهم كانوا ينوون الإضراب لجعل الشركة تنصت إليهم، لكنهم اكتشفوا أن هناك خطة حكومية لمصادرة هذا الحق منهم، فقرروا الإضراب عن العمل احتجاجا على هذه الخطة. علما أنه هذا الإضراب الثاني لهم منذ 20 سنة كما قال. و يرى مصادرة حق من حقوق العمال الشرعية عالميا، عيب على '' دولة تدعي الديموقراطية و ترغب بالإنضمام للإتحاد الأوروبي '' حسب تعبيره.  معلنا أنهم بدؤوا كل الإجراءات القانونية التي تخول لهم الطعن في هذا القانون الجديد، و أن المفصولين عن العمل منهم من بدأ برفع دعاوي ضد الشركة في محكمة الخاصة بنزاعات الشغل.



ديليك التي تعمل في الخطوط الجوية التركية كمضيفة طيران منذ 13 سنة، هي إحدى اللواتي تعرضن للفصل، لا تخفي أن الأجور التي يتلقونها أعلى مقارنة بباقي الخطوط الجوية، لكن المشكلة تكمن في غياب قانون يضمن حقوق العاملين باستثناء الشروط التي تنص عليها إتفاقيات العمل الجماعية التي تبرمها النقابة مع الشركة.  تشكي ضغط الإدارة الجديدة للشركة، التي تجبرهم على العمل حتى عند الإصابة بوعكات صحية، إذ أن الحصول على تقرير طبي هو بمثابة معجزة، بعد أن اكتشفوا أن الأطباء في المشافي التي يقصدونها ما إن يعرفوا إنهم من طاقم شركة الخطوط الجوية التركية حتى يرفضون تقديم تقرير طبي للتغيب عن العمل بدعوى أن المرض ليس خطيرا كما تقول. مؤكدة أن هناك زملاء لها اضطروا للعمل رغم معاناتهم من تمزقات في آذانهم. و تتابع أنه حتى أيام استراحتهم، بدلا أن تبدأ بعد 14 ساعة من توقيت آخررحلة يقومون بها، '' لكن الشركة لا تحترم هذا، بل تعتبرنا دخلنا يوم إستراحتنا ما إن تحط طائرة الرحلة الأخيرة في برنامجنا '' كما صرحت.
ديليك تؤكد أنهم يطالبون أن يتم مراعاة حالتهم الصحية و نيل قسط مناسب من الراحة ليتمكنوا من العمل بشكل جيد و تتابع '' عملنا يتطلب الإنتباه التام لكل الحواس، و عواقب الإرهاق المتواصل و استنزاف طاقاتنا سيكون وخيما.'' مشيرة إلى أن أي انخفاض بسيط في تطبيق شروط السلامة على متن الطائرة يجعل حياة الطاقم و المسافرين في خطر.معبرة عن حزنها لأن زملائها الذين كانوا في إجازة يوم الإضراب، لكنهم آثروا القدوم و الوقوف معهم، هم أيضا فصلوا عن العمل. 
من جهته يشتكي خلدون الذي كان يعمل منذ 14 عاما ضمن الطاقم الفني لصيانة الطائرات قبل فصله عن العمل، من إجبار الإدارة له كمسؤول صيانة على تصديق مهمة العاملين الذين قاموا بأعمال صيانة لطائرات لا تدخل في مجال خبرته. و هذا طبعا يجعله يتحمل مسؤولية جسيمة في حالة حصل حادث كما يقول متابعا '' لا يتاح لي الوقت حتى للكشف عن التغييرات التي طرأت على الآلة، و إذا رفضت الإنصياع للأوامر أهدد بالطرد ''. مشيرا أن معظم أعضاء الإدارة الجديدة للشركة هم من خارج قطاع الطيران. و عبر عن رفضه للعودة للعمل مع نفس الشركة، لأنها رمته كممسحة عندما قرر استخدام حق شرعي له للإحتجاج على شروط العمل، لكنه سيواصل الإعتصام تضامنا مع زملائه.
أما شركة الخطوط التركية ، فهي ترفض الإدلاء بأي تصريح في ما يتعلق بهذه الأزمة، إذ أكدت إحدى العاملات في مقر الشركة الرئيسي في مدينة إسطنبول عند اتصال الجزيرة.نت بها، أن إدارة الشركة اتخذت قرار بعدم التحدث للإعلام في هذا الشأن.
يشار إلى أن النائب البرلماني عن حزب العدالة و التنمية في مدينة إسطنبول متين كولوك هو من قام بتحضير مسودة مشروع منع الإضراب في مجال النقل الجوي و مجالات أخرى. و ذلك بعد  أن تسبب الإضراب في إلغاء أكثر من 100 رحلة طيران. فيما وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان القرار الجديد بالخطوة الأولى من أجل إقرار عقود عمل جديدة و تحسين العمل وخدمات الضمان الإجتماعي للعاملين.
القانون الجديد أيضا يمنع الإضراب للعاملين في قطاعات أخرى هي : خدمات الإنعاش، الجنازة، بعض فروع قطاع الطاقة، قطاع البنك، الكاتب العدلي، قطاع الإطفاء، النقل البحري المدني والنقل البري والسكك الحديدية.



الاثنين، 21 مايو 2012

جرحى سوريا يعانون الإهمال في تركيا


وسيمة بن صالح - إسطنبول

من داخل بيت أجره لهم طبيب سوري مقيم في تركيا من مصروفه الخاص، يتقاسم 15 جريح سوري معاناتهم و آلامهم و يواسون بعضهم البعض، جرحى فضلوا الهرب من  المستشفى الوطني بأنطاكيا للعلاج في مدينة إسطنبول، متحملين 17 ساعة سفر بالباص، فقط لكي ينقذوا أطراف أجسامهم من البتر و القطع كما يقولون. مؤكدين أنهم لو كانوا يعرفون أن الأطباء في أنطاكيا بلا رحمة لكانوا ظلوا في سوريا للموت بشرف و لا المذلة التي يعايشونها على الأراضي التركية  ليس من قبل الأتراك بل من قبل أبناء وطنهم '' السوريين ''.


أصيب أحمد ر. من كفر نبودة بانفجار لغمي قتل 14 من رفاقه و أصابه بحروق و إصابات بليغة في أماكن متفرقة من جسده. ظل لمدة 8 أيام في منزل أهله و شظايا اللغم داخل جسده خاصة رجله اليمنى التي أصيبت بضرر بالغ كما يروي، و تم تهريبه ليعالج في مدينة أنطاكيا. حيث يقول أنه بقي لمدة شهرين و نصف ينتظر وعود الأطباء هناك بإجراء عملية له، '' في بعض الأحيان لم أكن أستطيع تحمل الروائح الكريهة الصادرة عن الجرح، عندما يتأخرون أياما لتنظيفه. ''. و عندما عرف أن شبابا يهربون لمدينة إسطنبول للعلاج، قرر بدوره المجازفة و مرافقتهم عله يجد نهاية لمعاناته. إلا أنه و بسبب الإهمال الطويل لجراحه كما يقول، تم بتر ساقه اليمنى،و هو أمر صعب يحاول التعود عليه  معلقا بحزن '' تغربت عالفاضي و في آخر المطاف فقدت ساقي ''.
أما الجريح سامي ع. فقد كان أوفر حظا منه، لأنه لم يبقى حتى يقرر الأطباء قطع أصابع رجله كما يقول '' الأطباء في أنطاكيا مجرمون، ما يبرعون فيه هو بتر الأطراف مباشرة ''. و قد نجح الأطباء في إحدى مستشفيات  إسطنبول بترميم أصابعه، و رغم أنه سيحتاج لعلاج فيزيائي لمدة طويلة، لكنه يحمد الله أنه لم يفقدها. معبرا عن خيبة أمله عندما لامس التعامل مع الجرحى السوريين في تركيا، بعد أن كان يظن أن الوضع جيد، مؤكدا أن انعدام الأمان في سوريا و قصف قراهم  هو السبب الوحيد الذي أقنعه بالذهاب لأنطاكيا لتلقي العلاج، خاتما قوله قائلا : '' على الأقل الأطباء بسوريا في قلوبهم رحمة ! ''




 و يوافقه الرأي الجريح أبو حمزة الذي يحكي بغضب كيف أن الأطباء في المستشفى الوطني بأنطاكيا أخبروه أن ساقه سليمة  بحاجة للتجبير فقط، ليفاجأ بعد قدومه لإسطنبول أنها مصابة بعشرين كسرا، '' لو كنت اتبعت تعليماتهم، كنت سأصاب بالغارغرينا و بالتالي أفقد ساقي '' . لكنه أيضا لا يلقي باللوم على الحكومة التركية و لا العاملين في المشافي التركية، بل يلقي باللوم على  السوريين في تركيا و الخارج لأن قضيتهم واحدة و يجب أن يكونوا موحدين، معلقا أنهم يريدون فقط سوريا على طبق من فضة 
'' نحن مظلومون في الداخل و الخارج، لكننا بإذن الله سننتصر ''.

جريح آخر أصيب في عموده الفقري، و ظل حبيس فراشه لمدة 4 أشهر قبل أن يستطيع تركيب بلاتين في عموده الفقري، و مازال يعاني من مضاعفات الإصابة، يعبر عن تأثير سوء التعامل معهم على معنوياته بشكل سلبي قائلا : '' عندما كنا في سوريا، كنا نقتسم قطعة الخبز بين عشرة، فقط لنظل صامدين، لكن وضع السوريين في الخارج أصابني بحالة يأس''. متسائلا كيف أن '' ملايين السوريين المغتربين لا يستطيعون التكفل بعلاج عشرات الجرحى الذين خروجوا يقاتلون من أجل كرامة كل السوريين؟''





 و في اتصال هاتفي مع الجزيرة.نت، يشير د.أحمد من اللجنة الوطنية لرابطة الأطباء السوريين المغتربين بالسعودية أن طبيعة الرصاص المتفجر و طريقة نقل المصابين من داخل سوريا للأراضي التركية، يزيد من تفاقم الإصابات التي تصاب بسرعة بإنتان و تصبح خطيرة. و بما أن العديد من الحالات تضطر لإنتظار دورها ليتم نقلها لمشافي أنقرة أو إسطنبول، فهذا يعقد الأمور و يؤدي لحالات بتر و ضرر بالغ.
كما يفيد أنه و باستثناء فئة صغيرة من الناس  الذين يدعمون الجرحى بصدق و أمانة، فلا تصل نسبة 25% من المساعدات المرسلة للجرحى ليستفيدوا منها. رغم أنهم و كما يصفهم '' أساس الثورة السورية '' و يجب أن يحظوا بكامل العناية حسب تعليقه.  و يتذكر كيف أن جريحا و قبل أن يستشهد متأثرا بجراحه. كان يريد العودة للموت في سوريا بشرف بدل البقاء و تحمل ظلم و حسنات ناس يمنون عليه أنهم يدفعون أموالا لمعالجته.
 كما يصف وضع المراكز التي ينقل إليها الجرحى بهدف '' النقاهة '' لا تتوفر على أدنى شروط  الراحة و لا الطعام الكافي للمريض الجريح لإستعادة قواهم. مناشدا الجهات المتبرعة بالتقصي بشكل جيد قبل إرسال المساعدات و التأكد أن ما تبعثه في أيدي أمينة و سيصل لمستحقينه، بدل إرسالها لجهات وصفها بأنها '' مصاصي دماء و تعيش على دماء الجرحى''.

و يعالج الجرحى في مدينة إسطنبول بعضهم على حسابه الشخصي بفضل مساعدات أقارب أو معارف له، و الآخرون يحاول بعض اللاجئين السوريين في إسطنبول جمع تبرعات لهم بوسائل مختلفة و مجهودات فردية. و يجمعون أنهم حتى بدون أخذ فترة نقاهة سيعودون لسوريا للقتال ضد اقوات النظام السوري حتى إسقاطه أو نيل الشهادة.


و يعالج الجرحى في مدينة إسطنبول بعضهم على حسابه الشخصي بفضل مساعدات أقارب أو معارف له، و الآخرون يحاول بعض اللاجئين السوريين في إسطنبول جمع تبرعات لهم بوسائل مختلفة و مجهودات فردية. و يجمعون أنهم حتى بدون أخذ فترة نقاهة سيعودون لسوريا للقتال ضد اقوات النظام السوري حتى إسقاطه أو نيل الشهادة.

الجمعة، 20 أبريل 2012

توسع في التعليم الديني بتركيا

وسيمة بن صالح - إسطنبول
منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا, بدأ شكل التعليم يتغير ليأخذ اتجاها جديدا يسمح بتعليم القرآن والعلوم الإسلامية, ليحظى الجيل التركي الجديد بفرصة الحصول على هذا النوع من التعليم منذ الصغر بحرية مطلقة، عكس الأجيال السابقة التي حرمت منه بسبب قرارات الحكومات العلمانية المتعاقبة.
فبعد موافقة البرلمان التركي على إصلاح نظام التعليم وإدخال القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة مواد اختيارية في المرحلتين المتوسطة والثانوية، ها هي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التركية تمسك إدارة مراكز تعليم القرآن الكريم بعد أن كانت إدارتها بيد وزارة التربية الوطنية.
لن يقتصر عمل هذه المراكز فقط على تعليم القرآن الكريم، بل تشمل تعليم منهج ديني متكامل طيلة العام وليس فقط فترة الصيف.
كان قرار مجلس الأمن القومي التركي بعد انقلاب 28 فبراير/شباط 1997 قد حرم العديد من الأسر التركية من إرسال أبنائها دون سن 15 لتلقي التعليم الديني في مراكز تعليم القرآن الكريم.
ومعروف أن السياسة العلمانية لتركيا تمنع التعليم الديني في المدارس, لكن حكومة العدالة والتنمية رخصت في سبتمبر/أيلول من العام الماضي تعليم القرآن للأطفال دون التقيد بأي سن أو مرحلة عمرية معينة في المراكز الخاصة به.
أما هذا العام فقد أدخلت تعديلات يصفها البعض بالجذرية على نفس القانون، إذ ستسمح وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أيضا بفتح مراكز تعليم القرآن الكريم في المساجد والأماكن التي تراها مناسبة لتقديم التعليم الديني الذي لن يقتصر فقط على تعليم وتحفيظ القرآن الكريم، بل سيشمل السيرة النبوية الشريفة والأحاديث وتفسير معاني السور والآيات والأدعية والأخلاق الإسلامية, إضافة إلى أنشطة اجتماعية وثقافية إسلامية.
كما يمكن للأجانب المقيمين في تركيا الالتحاق بهذه المراكز، أما غير المقيمين فعليهم الحصول على إذن من وزارة الخارجية.
وقد علقت نور سيرتار النائبة عن حزب الشعب الجمهوري المعارض في الإعلام التركي -المعروف عنها محاربتها لكل مظاهر الدين في المؤسسات التعليمية- عن هذه التعديلات بأنها "غسل للأدمغة" و"دعاية للإسلام السياسي".
واقتبست إحدى الجمل التي استخدمها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتصريح حول الموضوع "نريد تربية جيل ورع"، لتتساءل عما إذا كان يهدف من وراء هذا إلى "تربية جيل من الملالي المتشددين", حسب تعبيرها.
وانتقدت تدريس القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة في المدارس, متسائلة عن جدوى ذلك "ما دامت هذه المواد ستدرس في المراكز الدينية وطيلة العام".
أما جمال دمير نائب مدير ثانوية إمام الخطيب بمنطقة أسكودار بمدينة إسطنبول فيعبر عن ارتياحه الكبير لهذه التعديلات الجديدة، لأنها ستزيد برأيه من التحاق التلاميذ بهذه المدارس إضافة إلى أنها "ستعيد لخريجي مدارس إمام الخطيب الدينية حقوقهم للالتحاق بأي تخصص يرغبونه في الجامعات"، بعد أن كان يطبق عليهم نظام علامات مغاير للنظام المستعمل مع علامات طلاب المدارس الأخرى، "مما كان يجعل علاماتهم دائما منخفضة، وبالتالي كانوا يجبرون على الالتحاق بتخصصات محددة لا تكون فعلا ما يرغبون به"، حسب تعبيره.

وتوافقه الرأي حنيفة غوكدمير، وهي إحدى خريجات مدارس إمام الخطيب، التي تفيد بأنها الآن ممتنة لقرار الحكومة التركية الذي يتماشى مع رغبة قسم كبير من الشعب التركي، "الذي عانى من الحرمان من ممارسة شعائره الدينية لعقود".
وتؤكد أنها وزوجها حرصا منذ بلغ طفلاهما خمس سنوات على إرسالهما لتعلم القرآن الكريم في بيوت بعض العائلات بشكل خفي، كما أنهما يحرصان على "الجلوس كل مساء معهما لمراجعة ما تعلماه من الذكر الحكيم" كطقس يومي للأسرة، كما قالت.
وعندما سألت الجزيرة نت محمد علي الابن الأكبر البالغ من العمر تسع سنوات لماذا يريد تعلم القرآن الكريم أجاب بأن "القرآن الكريم هو كتاب المسلمين، والله يحب الذين يقرؤونه، ولنستحق دخول الجنة يجب أن نقرأه". وتشير الأم إلى أن الطفلين قد شارفا على ختم القرآن الكريم قراءة، وأنهما يحفظان جل السور القصيرة.

اللاجئون السوريون خارج المخيمات بتركيا


وسيمة بن صالح - إسطنبول
مازال النازحون السوريون يتوافدون على الأراضي التركية يوما بعد يوم منذ بداية الثورة في بلادهم، يدفعهم الخوف من الاعتقال والقتل، وسواء كانوا داخل المخيمات التركية أو خارجها، فهم يناضلون لتوفير لقمة العيش والتعليم لأبنائهم، مترقبين بصبر سقوط النظام الحاكم للعودة إلى ربوع الوطن.
كثير من اللاجئين الذين نزحوا، لم يقبلوا العيش داخل المخيمات التي تعاني من ظروف سيئة أصلا كما يقولون، وجازفوا بالقدوم إلى مدينة إسطنبول أملا في الحصول على فرص عمل، أو أن تمد لهم المنظمات الإنسانية يد العون.
لكنهم وجدوا أنفسهم يواجهون واقعا مغايرا فرض عليهم قبول العيش في ظروف صعبة داخل بيوت قديمة، شبه فارغة، يقاسون البرد ويحاولون تدبير أمورهم دون طلب أي مساعدة من الآخرين صونا لما تبقى لهم من كرامة لم يفلح النظام السوري في تحطيمها كما تقول إحدى النازحات من دمشق.
وكشفت ناشطة سياسية فضلت عدم ذكر اسمها، للجزيرة نت، تعرضها للتحقيق عدة مرات من قبل الأمن السوري، وبعد تلقيها تهديدات مباشرة مع انطلاق الثورة، آثرت النزوح مع ولديها إلى تركيا، تاركة خلفها زوجها وابنها بدمشق، قائلة ''لولا خوفي من الاعتقال والاغتصاب، ما كنت فتحت باب بيتي وطلعت من بلدي''.
تمكنت هذه الناشطة من الحصول على عمل مدرسة لغة عربية في إسطنبول، لكنها وجدت نفسها مضطرة للعمل ساعات طويلة، لتصرف على ''بيت في مدينة غالية مثل إسطنبول، وولدين، براتب واحد''.
وتشير إلى أن السلطات الأمنية التركية رفضت طلبها للحصول على إقامة مؤقتة بحجة أن عقد إيجار المنزل يجب أن يكون بتاريخ نفس اليوم الذي وصلت فيه، إضافة إلى أنهم طلبوا شهادة ميلاد ابنها البالغ من العمر 14 عاما مصدقة من الخارجية والسفارة السورية بتركيا، وهذا ''أمر مستحيل في ظل الظروف الراهنة'' كما تقول، مؤكدة أنها الآن تعيش بشكل مخالف للقانون التركي الذي يسمح للسوريين بالإقامة السياحية فقط لمدة ثلاثة أشهر.
لكنها تحمد الله وتؤكد أن وضعها ''أهون بكثير من باقي العوائل التي تعاني بصمت'' مثل أسرة نازحة في مدينة إسطنبول، يخرج فيها الأب وأطفاله إلى المقابر لجمع بقايا ما يجدونه من حطب وأوراق للتدفئة في منزل مكون من غرفتين.
ورغم هذه الأحوال المزرية، فقد قررت هذه الأسرة تخصيص القسم الأكبر من الأجرة الزهيدة التي يحصل عليها الأب من عمله كمترجم، لتأمين مبلغ يدفعونه لمن يقبل بتقديم دروس خاصة لأبنائهم من المدرسين العرب في إسطنبول.


طلاب محرومون

هاجس تعليم الأبناء هو إحدى العقبات الكبيرة التي تناضل العوائل السورية النازحة للتغلب عليها، كما تؤكد لاجئة زوجة لأحد المعتقلين السابقين، هربت مع أسرتها بعد أن أصبح زوجها مطلوبا في كل الأفرع الأمنية بمدينة اللاذقية.
تقول اللاجئة إنهم باعوا سيارتهم داخل سوريا لتأمين مصاريف السفر إلى تركيا وتأمين مستقبل أطفالهم الثلاثة، علما أن زوجها -كما تقول- نزح بشكل غير شرعي إلى تركيا مشيا على الأقدام بعد تعميم اسمه من قبل الأمن السوري على كل الحدود.
ومع أنهم يعيشون داخل منزل فارغ من الأثاث فإن ما يشغلهم -كما تقول الأم- توفير فرصة التعليم لولديها ''قلبي محروق لأن المدارس العربية في إسطنبول لم تقبل تسجيل أبنائي، والمدرسة الوحيدة التي قبلت ذلك اشترطت دفع أقساط الفصل التي تبلغ 1600 دولار لطفلين في المرحلة الابتدائية''.
وتؤكد أن تأمين مثل هذا المبلغ في يومين -المدة التي أمهلتها المدرسة- أمر مستحيل، قائلة ''لم ألغ تسجيل أبنائي، لكنني أيضا لم أستطع إرسالهم إلى المدرسة، أشعر بحيرة وغبن كبيرين، وفي انتظار فرج الله''.
وتؤكد أن أسرتها مستعدة للعودة لسوريا في نفس اليوم الذي يسقط النظام الحاكم، وأنهم مستعدون للعودة أيضا إذا تم فتح ممرات آمنة.
ويحس الطلاب السوريون في المدارس العربية بمدينة إسطنبول أن المسؤولين عن هذه المدارس، يحتذون بنظام الأسد في القمع ويشتكون من الطلاب الذين يتكلمون عن الأوضاع في سوريا، مما جعل العديد من الطلاب يغادرون المدارس أو يتعرضون للطرد.
كما يشكو طالب لم يقبل بذكر اسمه خوفا من التعرض للطرد بدوره، أن هذا التعامل جعل العديد من الطلاب السوريين يتحاشون ذكر ما يحدث في سوريا داخل المدارس ''حتى إن أحد أصدقائي غادر المدرسة منذ فترة، وهو الآن في طريقه لدخول سوريا لحمل السلاح والقتال إلى جانب الثوار''.
ويؤكد أن العديد من الطلاب السوريين يعيشون ظروفا نفسية سيئة، خاصة الذين لا يتوافرون على أقساط المدارس أو الذين تم طردهم من المدارس في نصف السنة الدراسية، معبرا عن أمله أن تقوم الجمعيات العربية في تركيا بتقديم الدعم لهؤلاء الطلاب والتكفل بتدريسهم وعدم حرمانهم من حقهم الأساسي لتأمين مستقبلهم.
ويحاول معظم هؤلاء النازحين ألا يحتكوا بالآخرين كثيرا، خوفا من أعين المخابرات السورية التي يمكن أن تؤذيهم وتؤذي عوائلهم التي مازالت داخل سوريا.

الأحد، 8 أبريل 2012

صعوبات تواجه العرب و الأجانب مع شركات المحمول في تركيا

وسيمة بن صالح - إسطنبول

لا يحصل العرب و الأجانب عامة بسهولة على خدمات شركات المحمول في تركيا، إلا وفقا لشروط معينة، فإضافة إلى حاجز اللغة الذي يحول دون استيعاب منطق بعض تلك الشروط، مازالت هناك صعوبات تواجههم فيما يخص شراء الخطوط مسبقة الدفع، و استعمال هواتفهم المحمولة التي جلبوها معهم من بلدانهم الأصلية.

 تتواجد في السوق التركي ثلاث شركات للمحمول هي توركسيل، فودافون و أفييا، لا تفرض الأولى أية شروط إضافية على الأجانب إلا فيما يخص الإشتراك بالفاتورة، لكن شركة فودافون تنتهج سياسة بيع خطوط خاصة بالسياح، يعادل ثمنها  45 دولار، و هو ضعف البطاقة نفسها التي يشتريها الأتراك. و تباع  هذه البطاقة خاصة للسياح العرب، لأن شركة فودافون لا تقبل الجوازات المكتوب عليها بلغة ذات أحرف غير لاتينية.
و في اتصال مع مركز خدمة الزبائن الخاص بفودافون، استفسارا عن الموضوع، أفادت العاملة أن هذه هي سياسة الشركة، دون إضافة أي تفسير آخر.
لكن في الرد الذي أرسلته خدمة الزبائن أونلاين فيما يخص نفس الإستفسار، كانت الإجابة أن كل حامل لجواز سفر عليه أحرف غير لاتينية، يجب ترجمته بواسطة  المترجم المحلف و يصدقه الموثق العام، بعدها يتمكن من شراء بطاقة مسبقة الدفع بالتعريفة العادية.
علما أن عملية الترجمة و التصديق ، يمكن أن تكلف ما يفوق 85 دولار، و الجوازات العربية تتوفر على قسم مكتوب بالأحرف اللاتينية.
'' رغم أن عروض فودافون جيدة و رخيصة بالمقارنة مع باقي شركات المحمول في تركيا، لكن مع الأسف هذه التفرقة في المعاملة، هي مصدر إزعاج للكثيرين'' يعلق الطالب المغربي محمد أيمن الزيزي و يتابع : '' من يرغب في الإستفادة من العروض، يضطر لاستعمال خطوط مسجلة بإسم معارفهم من الأتراك''
و تتذكر شذى بركات المدرسة السورية المقيمة بشكل مؤقت في تركيا، بحنق تعرضها للإحتيال من قبل صاحب محل لبيع خطوط الهاتف المحمول، إذ باعها هذا الأخير خطا لشركة فودافون بما يعادل 60 دولار، بعد أن أخذ نسخة من جواز سفرها و سجل كل بياناتها الشخصية حسب قولها، لتفاجأ بعد فترة قصيرة من انقطاع الخدمة عن الخط كما أفادت و تتابع : '' عدت لنفس المحل مع أحد معارفي الأتراك، فأنكر البائع تماما بيعه للبطاقة، و  بعد مجادلة طويلة بينهما و دخول بعض الزبائن للمحل، اعترف أنه باعني بطاقة مستعملة و مسجلة بإسم شخص آخر، و تنتهي بعد  أسبوع ''  و تختم قائلة " لأننا لا نعرف اللغة التركية، يحتالون علينا بعنصرية غريبة ''.

 أما شركة  '' أفيا ''، فأسلوبها ضبابي فيما يخص هذه المسألة، ففي حين يؤكد مركز خدمة الزبائن هاتفيا، أن الجميع يمكنهم الحصول على البطاقات كيفما كان نوع جواز سفرهم، إلا أنه و في كثير من محلات بيع خطوط الشركة، يرفض العاملون تقديم هذه الخدمة للعرب، فيما يقدمها الآخرون حتى بدون السؤال عن جواز السفر.

  نظام تسجيل الهواتف المحمولة

تفرض مؤسسة تكنولوجيا المعلومات و الإتصالات التركية قانونا ينص على قطع خدمة الإتصال عن كل محمول يجلب من خارج تركيا بعد أن يستعمل خطا هاتفيا تركيا لمدة أقصاها أسبوعين.
و عليه يجب تسجيل هذه الهواتف في قاعدة البيانات التركية المتعلقة بأرقام التعريف الدولية الخاصة بأجهزة المحمول، باستعمال جواز سفر عليه ختم يؤكد أن صاحب المحمول دخل تركيا منذ فترة أقصاها شهر.
 و حسب الموقع الإلكتروني لنفس المؤسسة، يعتبر هذا القانون الطريقة الأمثل لتعقب الهواتف المسروقة، منع التهرب من دفع الضرائب و الحفاظ على استقرار الهواتف المحمولة المحلي.

 و ترفض الصحفية الفنلندية '' لوتا نيوتيو '' هذا القانون لأنه و حسب تعليقها '' كان سببا في عرقلتها من القيام بعملها الصحفي ''، عندما انقطعت الخدمة فجأة عن هاتفها المحمول بينما كانت منهمكة بتغطية  حدث مهم، فاضطرت وقتها كما تتابع  ''لشراء محمول بما يعادل 52 دولار من أول محل صادفته. ''

و تعبر عن حسرتها لأنها أجبرت على استعمال هاتف يفتقد المميزات المناسبة لعملها لفترة، بعد أن خسرت هاتفها ذو المميزات المتطورة، و الذي كان بإمكانها استعمالها لسنوات أخرى كما قالت.

   يشاركها حسرتها الشاب التركي '' محمد جونغوردو '' العامل في مجال الإعلام الجديد، الذي يؤكد أن ثمن الهواتف المحمولة في تركيا مرتفع، و أن مثل هذا القانون لا يخدم سوى مصلحة بعض الشركات الخاصة التي تحرم المواطن من الإستفادة من آخر التطورات التكنولوجية في مجال الهواتف المحمولة.
و يتابع '' أعتبر هذا ضد حرية الإختيار الشخصية للمواطن الذي يجد نفسه  يقتنص كل معارفه لتسجيل هاتفه بجوازات سفرهم، أو اتباع أسلوب غير شرعي، بتغيير رقم التعريف الدولي الخاص بهاتفه عند محلات تقوم بهذا بشكل غير رسمي.'' و هذا حسب جونغوردو يعرض الهاتف للإقفال بعد فترة، بعد اكتشاف الموضوع من قبل الجهات المختصة.
و يشير إلى أنه  لا يسمح إلا بتسجيل هاتف واحد خلال سنتين بنفس جواز السفر، متمنيا أن يتم تعديل هذه الفترة لتكون ستة أشهر أو يلغى القانون في أقرب وقت ممكن خاصة مع الإنفتاح التكنولوجي الذي يعرفه العالم حاليا على حد تعبيره.

نظام تعليم جديد في تركيا

وسيمة بن صالح - إسطنبول

تطوي حكومة العدالة و التنمية التركية صفحة التعليم لمرحلة واحدة من ثمانية أعوام، التي أقرها مجلس الأمن القومي في 28 شباط عام 1997 بعد انقلاب الجيش على السلطة السياسة، لتبدأ صفحة نظام جديد يتكون من ثلاث مراحل كل منها من أربع سنوات. و أبرز التغييرات التي تطبع النظام الجديد هو إدراج تعليم القرآن الكريم و السيرة النبوية الشريفة ضمن المواد الإختيارية للمنهج الدراسي لطلاب المرحلتين المتوسطة و الثانوية.
و بهذا ستعود مدارس الإمام خطيب الدينية لفتح مراحلها المتوسطة من جديد بعد أن أغلقت بسبب نفس القرار المذكور سابقا. كما سيكون باستطاعة التلميذ التركي اعتبارا من نهاية المرحلة الأولى التوجه نحو التعليم التخصصي، الأمر الذي لا يسمح به النظام الحالي.

يقول البروفيسور أستون إرغودير، مدير فريق ما يعرف ''بمبادرة إصلاح التعليم '' التركية التابعة لجامعة سابانجي التركية العلمانية، أن نتائج دراسة قاموا بها بخصوص النظام الجديد، تشير إلى أن هذا الأخير سيؤثر سلبيا على تعليم الأطفال و تنمية قدراتهم.
و فيما يتعلق بإدراج المواد الدينية ضمن المنهج الدراسي، يفيد البروفيسور إرغودير أن هذا الأمر سيخلق نوعا من التفرقة ما بين الطلاب، و سيعرض الطالب للضغط من قبل المدرسين، الأسرة و أقرانه. و بالتالي و حسب تعليقه، فالحل لتخطي هذا العائق هو أن يصبح التعليم الديني حسب الرغبة و ليس إختياريا، أي أنه يقترح أن تضطلع الأسرة بمهمة التعليم الديني حسب رغبة أطفالها، لأن المدرسة كما قال '' يجب أن يبذل فيها الجهد لتنمية الأطفال بشكل متوازن.''

و ترى الكاتبة الصحفية في النسخة الإنجليزية لجريدة زمان التركية نيكول بوبي، أن تبني هذا القانون الجديد يرسل إشارة واضحة بأن '' الحكومة التركية الآن قوية بما فيه الكفاية لتمرير قانون في البرلمان في وقت قصير، مع الحد الأدنى من الإستشارة مع المجتمع المدني و أحزاب المعارضة ''.
و تقول أن الطريقة التي تم من خلالها قبول مشروع الإصلاح، تخلق انطباعا بأن أهمية هذا القانون بالنسبة لحكومة أردوغان يكمن في رغبة حزب العدالة و التنمية بتصفية الحسابات مع المؤسسة العلمانية أكثر من الأخذ بعين الإعتبار احتياجات أطفال تركيا و الدولة نفسها، حسب ما كتبت.
مضيفة أنه كان على الحكومة التركية بدل سن هذا الإصلاح، التركيز على تحسين نوعية التعليم في تركيا و الذي برأيها أقل بكثير من التعليم حسب المعايير الدولية. و عليه '' كان على الحكومة التركية ضمان امتلاكها لما يكفي من الموارد قبل الشروع في إصلاح جذري هكذا، حسب رأيها.

كان الحزب الجمهوري العلماني قد فرض عام 1932 رفع الآذان باللغة التركية، حتى عام 1950 عندما أعلن رئيس الوزراء التركي آنذاك عدنان مندريس بأن الآذان سيعود للغة العربية، و يقال أن الإنقلاب العسكري عام 1960 و إعدام عدنان مندريس كان بسبب قراره هذا.
و من خلال حساب تويتر الخاص به، أفاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أنه '' كما وجد الآذان باللغة العربية مكانه داخل عقول الأتراك، سيجد النظام الجديد للتعليم نفس المكان أيضا''. كما كتب أنه و كما أعيدت للآذان باللغة العربية حرمته، '' سيعاد لتعليم القرآن الكريم حرمته كذلك.''
 و أشار في نفس الحساب إلى أن هناك أطرافا لم يسمها، تحاول تضليل الشعب التركي، مؤكدا أنه حكومته لن تسمح بذلك. و كتب '' إنهم يريدون إدارة المدارس الإبتدائية و المتوسطة '' بعقلية القشلة '' و لو سنحت لهم الفرصة لأجبروا طلاب الجامعات على ارتداء البذلة العسكرية ''.

و أكد أردوغان أن حكومته تسعى من خلال إصلاح نظام التعليم لجعل تركيا ضمن قائمة أكبر 10 دول في العالم بحلول عام  2023 الذي يصادف حلول الذكرى 100 لتأسيس الجمهورية التركية.

و أظهرت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا) أن الشباب الأتراك الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 26 سنة، مازالوا إلى حد كبير ينظرون فقط للداخل التركي،و قد زار واحد من أصل 10 فقط دولة أجنبية، فيما يتحدث 41% فقط منهم لغة أجنبية.

فيلم '' فتح 1453 '' يداعب كبرياء الأتراك





وسيمة بن صالح - إسطنبول

رغم تحريفه لبعض الحقائق التاريخية في عهد الدولة العثمانية، إلا أن الفيلم التركي '' فتح 1453 '' مازال يحصد المزيد من النجاح و تهافت الأتراك لمشاهدته في صالات العرض السينيمائية. إذ أنه يحيي بالصوت والصورة الحدث الأكثر أهمية في تاريخ الدولة العثمانية، الذي لطالما سكن مخيلتهم و هم صغار كما يقول معظمهم، ألا و هو فتح مدينة القسطنطينية على يدي السلطان محمد الثاني المعروف بإسم محمد الفاتح، و التي أصبحت فيما بعد إسطنبول، و تخليصها من حكم الإمبراطورية البيزنطية.
 يعتبر هذا الفيلم أغلى الأفلام في تاريخ السينما التركية، إذ بلغت ميزانيته 17 مليون دولار، كما حطم الأرقام القياسية لنسبة المشاهدات.  فحتى مدرسو التاريخ في المدارس التركية يوصون طلابهم بمشاهدته، ما زاد من كثافة الإقبال عليه، و دفع بصالات العرض السينيمائية  إلى إلغاء الخدمة الهاتفية للحجز المسبق الخاصة بهذا الفيلم تحديدا، طالبة من المتصلين القدوم شخصيا للحصول على المقاعد في عين المكان.
يعزي الصحفي الشاب راغب سويلو أسباب نجاح هذا الفيلم إلى مخاطبته كبرياء الشعب التركي الذي يرى نفسه وريثا للإمبراطورية العثمانية و يحن '' للأيام الخوالي الجميلة المفعة بأمجاد أسلافهم ''. فالأتراك يعتبرون  فتح مدينة إسطنبول علامة  نجاح فارقة في تاريخ أسلافهم، و يفخرون حسب تعليقه بالإنتماء لمن قال فيهم الرسول عليه الصلاة و السلام '' لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ''.  

و تشاطره الرأي المهندسة المعمارية شولة أرتكين التي ترى أن هذا الفيلم يمثل و لو بشكل نسبي '' رد الجميل لآلاف الجنود الشجعان  الذين بذلوا أرواحهم فداء لهذه الأرض التي تعيش عليها هي و جيلها المعاصر، '' بشكل مريح و بدون مبالاة ''، يجهلون حتى أسماء من تركوا هذه '' الأرض الغالية أمانة لهم ''. و تؤكد أن هذا الفيلم جعلها تقدر القيمة الحقيقية الكبيرة لفتح مدينة إسطنبول.

و لا تخفي  فاطمة تيزال، عاملة  النظافة في إحدى الشركات الخاصة إعجابها الشديد بالفيلم، و تحكي بحماسة  كيف كانت دائما و منذ الطفولة تحلم بمعرفة كيف تمت معركة فتح مدينة إسطنبول و انتصار '' أسلافها '' فيها، لهذا اصطحبت بدورها إبنها ذو 7 سنوات لمشاهدة الفيلم. و تختم قائلة  '' مشهد نصب العلم العثماني في النهاية و الإنتصار، جعلني أنا و أسرتي نشعر باعتزاز لا يمكن وصفه بتاريخ أجدادنا العثمانيون.''

 موضوع الفيلم المهم، لم يمنع العديد من الأتراك من الشعور بخيبة الأمل، كما حدث مع مصممة الإعلانات إيبرو دافران، التي تروي كيف اختفى شعورها الحماسي بعد انتهاء أحداث الفيلم، لما وجدت فيه من تحريف للحقائق التاريخية و إغفال ذكر أخرى كانت محورا مهما مثل مشهد جر السفن من اليابسة إلى البحر، الذي و حسب تعبيرها كانت تتوق لمشاهدته بالدرجة الأولى. كما تنتقد بشدة، تحريف حقيقة إنزال السلطان محمد الفاتح من على العرش، و إبراز الحدث على أنه نتيجة لغضب الشعب منه، و تشرح أنها تتذكر رسالة كتبها لوالده السلطان مراد عندما رفض العودة للتربع على العرش، و التي جاء فيها ما يلي :
'' إن كنت أنت السلطان فتعال وقف على قيادة جيشك ورياسة  دولتك ،وإن كنت أنا السلطان فإني آمرك بقيادة الجيش''. و تستغرب لماذا لم تدرج هذه الكلمات رغم أهميتها في أحداث الفيلم.
و يشاركها علي سغلام، صاحب شركة في مجال الإعلام الجديد، خيبة أملها، فقد ذهب لمشاهدة شخصية القائد الأسطوري محمد الفاتح. ليجد نفسه  كما قال أمام '' شخصية الجندي في الجيش العثماني '' أولوباتلي حسن '' و قصة حبه مع الشخصية '' إيرا '' التي أسرت من قبل البيزنطينيين قبل أن يشتريها المهندس الذي صنع المدفع الضخم الذي ساهم في فتح إسطنبول.''



 يشار إلى أن الأفلام التي حازت من قبل على أعلى نسبة مشاهدة في تاريخ السينما التركية، تنتمي للكوميديا و الأكشن، أهمها فيلمين من الثلاثية الكوميدية التي تحمل إسم  '' رجب إفديك '' و فيلم الأكشن و المغامرات '' وادي الذئاب العراق ''. لكن أيا من هاذين الفيلمين لم يتجاوز5 ملايين مشاهد، في حين و حسب الإحصائيات التركية، فقد شاهد فيلم '' فتح 1453 '' أكثر من 6 ملايين مشاهد منذ بداية عرضه في 16 من شهر فبراير / شباط الماضي، محققا أرباحا وصلت في نهاية أسبوع عرضه الخامس إلى ما يقدر بأكثر من 50 مليون دولار.
و عرض الفيلم في 850 صالة عرض خارج تركيا و هي : المانيا، هولندا، بلجيكا، النمسا، فرنسا، انجلترا، سويسرا، الجمهورية التركية القبرصية الشمالية، اندونيسيا، ماليزيا، روسيا، ألبانيا، البوسنة والهرسك، كوريا الجنوبية ، تايلاند، اليابان والولايات المتحدة الامريكية.

الاثنين، 30 يناير 2012

الغرافيتي بتركيا.. لا للتخريب والسياسة



وسيمة بن صالح-إسطنبول

كان الشاب اليوناني ديميتريوس، يتسلى بترك توقيعه (TAKİ 183) على جدران شوارع نيويورك التي كان يجوبها على أقدامه خلال عمله كساعي بريد. وكلمة TAKİ هي تصغير للعديد من الأسماء اليونانية بينما يشير 183 إلى رقم الجادة التي كان يسكن فيها بمنهاتن الشمالية.

ولم يكن ديميتريوس يعرف أنه بتوقيعه هذا أعطى انطلاقة لفن (الغرافيتي)، ففي صيف 1971 خصصت جريدة نيويورك تايمز صفحتها الأولى لمن أسمته "فتى الأقلام" الذي لطالما تساءل النيويوركيون عن هويته، ليصبح ملهم العديد من الأطفال والشباب لاتباع أسلوبه للتواصل والتعبير عن مشاعرهم.

الغرافيتي التركي
"الغرافيتي هو فن الكتابة والرسم على الجدران"، يستهل رسام الغرافيتي محمد أمين تركمان كلامه، مشيرا إلى أن هذا الفن ظهر في تركيا عام 1995، كعمل غير شرعي في نظر السلطة بسبب ذاكرة تعود إلى فترة ما قبل انقلاب سبتمبر/أيلول عام 1980، حينما كانت الجدران تعج بالشعارات السياسية.

ولذلك وحسب تركمان فإن من كان يقبض عليه يتعرض للاستجواب لمعرفة ما إذا كانت له صلة بتنظيمات سياسية أو إرهابية، وكانت أحكام السجن تراوح بين ستة أشهر وسنة واحدة، أو غرامات مالية تبدأ من ألف ليرة تركية وتصل حتى خمسة آلاف ليرة.

ومع أن هذه العقوبات ما زالت جارية حتى اليوم فإن التفاهم مع رجال الشرطة أصبح أسهل، "خاصة أنهم جيل شاب استوعب أن هذا الفن ليست له علاقة بالسياسة"، كما يقول تركمان.

وكانت بلدية منطقة غونغيران في مدينة إسطنبول، أول من سمح لممارسي فن الغرافيتي بالرسم علنا، عبر منحهم مصنعا مهجورا بجدرانه الثلاثة، ليجعلوا منه لوحة فنية، وبذلك أصبح أطول جدار غرافيتي في تركيا (يبلغ طوله تقريبا أربعمائة متر).

كما قامت هذه البلدية برعاية مهرجان للغرافيتي عام 2006، لتقوم بعدها بلدية إسطنبول الكبرى ممثلة بمجلس الشباب التابع لها، بتنظيم مهرجان أكبر عام 2008، شارك فيه رسامو غرافيتي أجانب، وكان موضوع اللوحات "إسطنبول عاصمة أوروبا الثقافية لعام 201".
  
فلسطين بأعين الغرافيتيين
رغم أن الغرافيتي في تركيا بعيد عن السياسة فإن أحداث الحرب الإسرائيلية على غزة دفعت بمجموعة من رساميه إلى توظيفه من أجل التنديد بما حصل.

ويشرح محمد أمين الذي كان واحدا من هؤلاء قائلا "رسمنا لوحاتنا أمام الملأ في ميدان تقسيم في يناير/كانون الثاني عام 2009، لنجذب خاصة، اهتمام الفئة الشابة التركية لما يعانيه إخواننا في فلسطين، ودعمنا مجلس الشباب التابع لبلدية إسطنبول الكبرى لتنظيم هذه الحركة".


ويرفض أمين وصف العديدين لفن الغرافيتي بأنه عمل مخربين، مشيرا إلى أن الشباب التركي الذين يمارسون هذا الفن يجمعون على أنه إبراز للمبدع الكامن داخلهم، وهم متشبعون بقيم الدين التي تنهى عن إيذاء الغير، ونحن نضع هذا نصب أعيننا قبل القيام بأي عمل من شأنه أن يجرد هذا الفن من روحه وجماليته ويلحق الضرر بأي ملكية خاصة بالمجتمع.